المثقف والثورة:هل يكفي القلم لمرافقة الشارع؟

 
ككل الثورات التي تتفجر داخل المجتمعات الحية في العالم، يحظى الحراك السلمي بالجزائر باهتمام المثقفين والمبدعين ورجال الفكر والصحفيين، فيعمدون الى توثيق هذه اللحظات التاريخية والفارقة في حياة الشعب الجزائري، والتي تدفع نحو تحسين أوضاعه على جميع المستويات والاصعدة، ونحو افتكاك المزيد من الحريات والحقوق بغية بناء جزائر جديدة، تعيد الأمل المفقود لـ43 مليون جزائري منذ عقود من الزمن.

تأملات من داخل الحراك

عبد الرزاق بوكبة، من الكاتب والروائيين، الجزائريين، الذين رافقوا حراك الشارع، طيلة اسابيعه الأربعة عشر، سواء بالصور او الفيديوهات التي ينشرها ويبثها عبر صفحته على الفايسبوك، او المقالات التي يكتبها منذ 22 فيفري الماضي، حول الحراك المشهود في تاريخ الجزائر الجديدة، والذي تجاوز عمره الشهريين من الزمن ولايزال مستمرا حتى تتحقق مطالب الجزائريين في بناء دولة حقيقية تعود فيه السيادة الى الشعب الجزائري.

صاحب رواية “ندبة الهلايلي”، الذي وثق حراك الجزائر، في كتابه الجديد الموسوم: رماد يذروه السكون -تأملات في حراك الجزائر- يقول الكاتب في كلمة الغلاف : “لم ينتبه قطاع واسع من النّخب السّياسيّة والثقافيّة والجامعيّة والإعلاميّة، إلى الثّورة التّي أحدثها الشّاب، الذي ولد وعاش خلال المرحلة البوتفليقيّة، على مستوى التّشبيهات التّي يستعملها. خاصّة في جهة المشبّه به، بما يدلّ على أنه جيل متفاعل مع لحظته حدّ البصلة السيسائيّة”.

ويرى الروائي”أن بقاء تلك المنظومات حبيسة تشبيهاتٍ قديمةٍ وموروثةٍ، بما خلق هوّةً عميقةً بينها وبين هذا الجيل أثمرت إلغاءً متبادلًا، فلم تجدْ تلك النّخب التّقليديّة، أمام خواء خطابها وعجزها الفكري،ّ في مواجهة الجيل الجديد، إلا التّشكيك في وطنيّته وتديّنه من جهة، وتحالفها مع النّظام السياسيّ القائم على تعطيل المواهب من جهةٍ ثانية”.

وأضاف الشاعر : “غير أنّ الحراك الشّعبيّ والسّلميّ، الذي قام على أكتاف وعقول وحناجر وأرواح هذا الجيل نسف كلَّ الادّعاءات المتعلّقة بوطنيّته وتديّنه واستعداده لتسلّم المشعل، ووضع النّظام السّياسيّ على شفير الهاوية، بما أثار مخاوفَ النّخب التّقليدية من أن تخسرَ حليفَها، فراحت تدافع عنه إلى درجة التخبّط.”
وفي نهاية كلمته على الغلاف كتب ما يشبه نظرة فلسفية الى حراك بلاده “لم يستطع جدُّك أن يوقفَ النّهرَ الحاملَ بالأمس، حتّى تستطيعَ أنت أن توقفَ جيلَ المحمول اليوم”.
وعلق الكاتب الصحفي، على مولوده الجديد، في صفحته عبر الفاسبوك قائلا “أومن بأنّ الحراك يحتاج مرافقة الأقلام. وأنا حاولت أن أقوم بواجب المرافقة، بالشّيء الذي أعرفه واستطيعه، موضحا أن هذا الكتاب شخصي، وفي الأفق سيكون هناك كتاب جماعي مشترك مع عدة مثقفين استطاعوا رصد الثورة السلمية في الجزائر، تحت إشرافه.

ويعد عبد الرزاق بوكبة، من المثقفين والروائيي الأكثر بروزا في الحقل الثقافي بالجزائر، من خلال نشاطه الدؤوب في أي مكان يحل به، وكان أخرها، المقاهي الثقافية التي أشرف عليها، بمعية مثقفين أخريين المجسدة عبر القطر الجزائري، والتي أعلن عبر صفحته على الفاسبوك، عن نظرة مستجدة من أجل تجسد المشروع الذي انطلق فيه منذ شهور، وهذا دون التخلي عن الكتابة الصحفية والروائية، الشعرية، التي تعتبر متنفسه الحقيقي وهو يقارع بنظرته الثاقبة كل شاردة وواردة من الظواهر على الساحة الجزائرية والعالمية.

حراك الجزائر ينهي قصة بوتفليقة. رجل القـدر !

من جهته، شبه الكاتب والإعلامي الجزائري البارز، عبد العزيز بوباكير، سيناريو نهاية الرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، بنهاية بالإمبراطور الفرنسي، نابليون بونابرت بعد عقود من تربعه على عرش فرنسا.

وقال بوباكير في حوار خاص مع الجزيرة نت، إن كتابه الجديد الذي يحمل عنوان “بوتفليقة. رجل القدر” يغوص في شخصية الرئيس الجزائري المستقيل، ويجري مقارنة بينه وبين نابليون، وأسباب بقائه في الحكم لعقدين.

ويقول الكاتب أن “الكتاب هو مجموعة من التأملات والأفكار حول شخصية الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ونظرته إلى الحكم، ومفهومه للدولة، وكيف أدار الجزائر لمدة 20 سنة. يتميز الكتاب بطابع سجالي، وهو عبارة عن مقالات تتحدث عن رجل القدر، وكما هو معروف في التاريخ أن نابليون بونابارت -إمبراطور فرنسا- كان يقول “أنا رجل القدر” بمعنى أن القدر اختاره لحكم فرنسا وأوروبا والعالم.

ويرى المترجم، “أن بوتفليقة كان شديد التأثر بشخصية نابليون وأفكاره إلى درجة أنه كان يقلده في حركاته وسكناته حسبه، وكان في الوقت ذاته يعتبر نفسه رجل القدر، بمعنى أن القدر اختاره ليكون على رأس الجزائر، لكن شاءت الظروف أنه خرج من الحكم بطريقة مخزية تشبه نوعا ما مصير نابليون نفسه، الذي نفي إلى جزيرة سانت هيلينا (تقع في المحيط الأطلسي) وأبعد عن أوروبا وعاش عزلته القاتلة في الجزيرة، هناك انتبه إلى أنه أخطأ في نظرته، وقال لقد ظلمت نفسي حينما اعتقدت أني رجل القدر، والحكاية ذاتها حصلت مع بوتفليقة، أعتقد أنه انتبه في نهاية المطاف إلى أنه أخطأ العصر وأخطأ التاريخ وأخطأ نفسه.

 الحراك ينقذ الدولة من الانهيار

ويتجه الجزائريون الى أن يطووا صفحة بدت في أولها ناصعة، بوصول رجل القدر الى الحكم سنة 1999، رأى فيه غالبية الشعب الجزائري أنه المخلص والمنقذ من ويلاتهم، وتحت ذريعة المصالحة الوطنية وإستتباب الامن والاستقرار، بعد عشرية من الدم والنار، أتت على أخضر الجزائريين ويابسهم، حكم بوتفليقة لعشريين سنة كاملة، ارتفعت فيها معدلات الفساد الى مستويات خطيرة، الى درجة أصبحت هذه الأرقام مهددة لكيان الدولة، لكن تفطن الجزائريين، بعد محاولة ترشيحه لخمس سنوات أخرى، من قبل حاشيته التي حكمت باسمه بعد المرض العضال الذي ألم به منذ سنة 2013، حال دون تمرير عهدة جديدة، حيث تحركوا بالملايين في الشوارع ، مطالبين برحيله ورحيل منظومة الفساد التي تكونت في عهده طيلة منذ 20 سنة.

ويعتبر بوباكير، من أبرز الكتاب والإعلاميين، المترجمين، الجزائريين المخضرمين، الذين عاشوا وعايشوا، باهتمام الاحداث السياسية في الجزائر، خاصة خلال سنوات الانفتاح والسياسي والإعلامي، كما استفاد كثيرا كمثقف وإعلامي، من علاقاته المتينة التي كانت تربطه بالرئيس الجزائري الراحل الشادلي بن جديد، في تنوير الرأي العام الوطني حول ما يحدث في دواليب السلطة في الجزائر على الاقل خلال فترة حكم هذا الاخير، حيث كتب مذكراتهّ، والتي صدر منها الجزء الأول وبقي الجزء الثاني، حبيس الادراج لسنوات طويلة، على خلفية رفض رئيس المخابرات السابق الجنرال التوفيق، السماح له بنشر بتلك الحقائق والمعلومات المهمة في تاريخ الجزائر لكي تطلع عليها الأجيال الجديدة وتكون على دراية عما حدث في تلك الحقبة من ماض بلد حكم بالشرعية الثورية منذ الاستقلال، وبالحديد والنار في سنوات التسعينات، وبالفساد خلال العشرين سنة الأخيرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية عشر + 18 =

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق