
خلَف رفض وشنطن منح “الضوء الأخضر”، للدبلوماسي الجزائري، رمطان لعمامرة، كـ”طاقية” لمزاولة مهامه كمبعوث أممي في ليبيا، جملة من التساؤلات، حول الأسباب الحقيقية التي دفعت بالولايات المتحدة الامريكية، للامتناع على “شخصية دبلوماسية كبيرة” بحجم رمطان لعمامرة، التي يراها بعض المتفائلين بأنها تحوز على “مفاتيح” لحلحلة عدة قضايا معقدة في القارة السمراء كالأزمة الليبية، خاصة وأنه يزاول مهامه “ضمن لجنة الممثلين الدائمين للاتحاد الإفريقي والتي من بين أبرز أهدافها إنهاء الحروب في إفريقيا “!.
يبدو أن الوضع في الأزمة الليبية يزداد تعقيدا، حتى وإن كان كل العالم منهمك في مكافحة جائحة كورونا القاتلة، فالليبيون والأطراف المتحكمة في دائرة الصراع، منشغلون جدا بمعاركهم الميدانية والسياسية والدبلوماسية، فلا صوت يعلو على صوت الخلاف، الذي رمى على إثره المبعوث الاممي السابق غسان سلامة المنشفة، بعد فشله في إيجاد حل توافقي يرضي جميع الأطراف المتنازعة، هذه الأخيرة حسب محللين لـ”الوطن برس”، هي نفسها التي أنهت مهام المبعوث الاممي الجديد الجزائري رمطان لعمامرة لليبيا قبل انطلاقها ويبدو جليا أنها لن تتوقف هنا ؟ !
لعمامرة .. محل خلاف بين الأطراف المحلية بليبيا !
يعتبر الأستاذ في العلوم السياسية بجامعة باتنة، لزهر وناسي، رفض واشنطن لترشيح لعمامرة لمنصب مبعوث أممي إلى ليبيا أمرا متوقعا بالنسبة له، وهذا لعدة اعتبارات على غرار :” أن الأطراف المحلية الليبية المتصارعة سترى في الجزائر لا يتميز بصفة الوسيط النزيه والمحايد في الازمة الليبية خاصة من طرف جناح خليفة حفتر الذي يرى في الجزائر جزء من المشكلة الليبية وليست طرفا في حل المشكلة”.
مضيفا بأنه “معروف عن مجموعة بنغازي تهجمها المباشر على الجزائر في كثير من المحطات والتصريحات الصادرة عن حكومة بنغازي أو عن خليفة حفتر شخصيا، حيث يرى في الجزائر قريبة إلى تحالف إقليمي مناوئ له تقوده قطر وتركيا” حسب تحليله.
أما بالنسبة للأطراف الإقليمية المنخرطة في النزاع الليبي فيقول وناسي بأنها “لا تتوافق مع وجهة النظر الجزائرية حيال الأزمة الليبية، وتأتي مقدمتها مصر والإمارات العربية المتحدة والسعودية التي تدعم جناح حفتر نكاية في حكومة الوفاق التي تعتبرها هذه الدول حكومة تحتضن التوجه الإخواني الذي ترعاه قطر و تركيا ونحن نعرف الانقسام الإقليمي الحاد حول هذه النقطة بين محور قطر تركيا ضد محور الامارات السعودية ومصر” على حد قوله.
الانقسام الدولي .. أنهى مهام لعمامرة قبـل بدايته !
وعرج الأستاذ وناسي في تصريح لـ”الوطن برس” على الانقسام الدولي حول الأزمة الليبية خاصة ذلك الدائر بين فرنسا وإيطاليا، حيث لم يستبعد “أن تكون فرنسا من المعارضين لتولي لعمامرة لهذه المهمة بالنظر إلى الاختلاف الجزائري الفرنسي في ملفات كثيرة منها عدم التوافق حول ليبيا بالذات كون فرنسا منخرطة بشكل مباشر في الازمة بدعمها العسكري و الاستخباراتي لجناح خليفة حفتر وبالتالي تكون الولايات المتحدة الأمريكية متساوقة مع المحور الفرنسي الاماراتي المصري أو قد تكون تعرضت لضغوط من هذه الدول لرفض ترشيح الأمم المتحدة لرمطان لعمامرة” .
كما لم تخلوا القضية عن اعتبارات ذاتية يراها محدثنا “تتعلق بنظرة واشنطن إلى لعمامرة الذي ترى فيه رجلا مقربا من روسيا وبالتالي تخوفها من جرف النزاع الليبي لجهة تحقيق مكاسب في السياسة الخارجية تصب في مصلحة موسكو و نظرتها إلى حل النزاعات الدولية وفقا للشريعية الدولية وبالتالي دعم موقفها في كثير من القضايا الأخرى مثل المسألة السورية و غيرها”.
كل هذه النقاط مجتمعة -حسب وناسي- قد تكون وراء اعتراض واشنطن على ترشيح غوتيريش للدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامرة لمنصب مبعوث أممي للنزاع الليبي.
لعمامرة .. محسـوب عـلى أي طرف في المعـادلة ؟
وعكس ما ذهب إليه الدكتور وناسي، الذي يرى لعمامرة حسب نظرة الأطراف المتصارعة في ليبيا، محسوب على الجناح (الجزائري-الروسي)، أرجع الدكتور عبد القادر دريدي، المختص في قضايا الساحل و الصحراء، إعتراض الولايات المتحدة الأمريكية على رمطان لعمارة لتولي منصب المبعوث الأممي حسب تقديره لسببين، “أولهما أن لعمامرة محسوب على الجناح الفرنسي في منطقة الساحل و شمال افريقيا بحيث أن الاستراتيجية الفرنسية منذ سنوات أصبحت تعتمد على الشخصيات المحسوبة عليها التأثير في قرارات الدول و المنظمات الإقليمية في نفس الوقت وهذا ما حدث مع لعمامرة خلال في قضية انضمام المغرب إلى الاتحاد الأفريقي خلال توليه منصب وزير الخارجية للجزائر” على حد قوله.
وعلى هذا الأساس –يضيف-الدكتور دريدي في تصريح لـ “الوطن برس” بأنه ” وعلى الرغم من القبول الواسع الذي يحظى به لعمامرة على المستوى الشخصي إلا أن البراغماتية الأمريكية كسبب ثاني، لا يمكن لها أن تخاطر بقبول شخص محسوب على فرنسا التي تختلف معها في المصلحة المرتبطة بمنطقة المغرب العربي و الساحل، ..”وهذا الاختلاف الذي بدا جليا في أحداث تيقنتورين التي شكلت ذروة صراع المصالح بين الولايات المتحدة وفرنسا في المنطقة، حسب الدكتور دريدي.
واستدل الأستاذ دريدي بعدة مؤشرات يراها مهمة في تحليل هكذا قضية، والتي تكشف على الدعم الذي يحظى به لعمامرة من قبل فرنسا في الملف الليبي، حيث قال بأن “الاهتمام الفرنسي بمرافقة لعمامرة ليس فقط سياسيا ولكن أيضا إعلاميا من خلال اهتمام وكالة الأنباء الفرنسية بقضية الاعتراض الأمريكي والتحقيق فيها وفي اسبابها بشكل حثيث في حين كان من الأجدر بها ان تتساءل ايضا عن أسباب فشل غسان سلامة في مهمته من ناحية أخرى” على حد قوله.
..الأزمة اللـيبـيـة إلــى أيـن ؟
ويبقى الوضع في ليبيا، رغم توالى المؤتمرات واللقاءات الاقليمية والدولية لإيجاد حل حاسم ونهائي، مهلهلا ويراوح مكانه بالرغم من مرور قرابة العشر سنوات على سقوط نظام معمر القذافي 2011، ملقيا بظلاله السياسية والأمنية والدبلوماسية “الخطيرة” على دول الجوار على غرار الجزائر، ومعيدا طرح نفس السؤال القائم منذ سنوات.. الأزمة الليبية الى أين ؟