أي دور للإعلام الجزائري في أزمـة فيروس كورونا؟

أي دور يُؤديه الإعلام الجزائري، في ظل جائحة كورونا، بعد مرور شهرين كاملين من اجتياحها للبلاد؟، كيف عالجت الصحافة الوطنية الوباء؟، كيف يكون آداء وسائل الإعلام الجزائرية أثناء الازمات؛ -أزمة فيروس كورونا نموذجا- ؟.. هي تقريبا الإشكاليات الجوهرية التي حاول كوكبة من الأساتذة الجامعيين المختصين في مجال الاعلام والاتصال، في الجزائر وخارجها بمعية إعلاميين في الميدان، تفكيك عناصرها، خلال ندوة علمية عن بعد، أعدَها الدكتور الجزائري من جامعة العين الاماراتية فيصل فرحي، وأدارها الأستاذ محمد قيراط من جامعة قطر. 

استعرض العديد من الصحفيين الجزائريين يوم السبت الماضي، واقع تغطياتهم لفيروس كورونا بالجزائر، طيلة شهرين كاملين منذ بداية الجائحة، حيث أعرب البعض عن امتعاضهم لظروف العمل التي فرضت عليهم مع هذا الوباء، في الوقت نفسه، اشتكوا من غياب المعلومة “الكاملة” التي يبحثون عنها، والتي تشكل في العادة مادتهم الأساسية في معالجة الأخبار وتحليلها، في المقابل حاول الأستاذة الجامعيون من جهتهم، وضع مقارباتهم المعرفية من خلال تدخلات الصحفيين، لتحليل وتقييم دور وسائل الاعلام الوطنية في ظل هذه الازمة الصحية الخطيرة التي تمر بها الجزائر والعالم، لكنهم اتفقوا تقريبا في مجمل تدخلاتهم بأن دورالإعلام لن يكون فعالا إلا في ظل إنسيابية سلسة للمعلومات نحو الجمهور.  

برباغوندا إيجابية

عادة ما يشتكي الصحفيون في الجزائر من صعوبة الوصول الى مصادر المعلومات خاصة في عهد النظام السابق، فممارساته انعكست “سلبا” على أداء الصحافة الوطنية بشهادة أصحاب المهنة، سواء على مستوى التشريعات أو الممارسات، لأن السلطة القائمة آنذاك كانت ترغب في دور وحيد لـ”صاحبة الجلالة” يتلخص بتحوُلها إلى بوق دعائي لسياستها “العرجاء” التي أستمرت طويلا وانكشفت للرأي العام الوطني مع بداية الحراك الشعبي، الذي فلح في إبعاد أبرز وجوه النظام السابق، لكن ماذا عن السلطة الجديدة التي يبدو أنها غير محظوظة كثيرا، بعدما ورثت تركة ثقيلة من “السياسات الخاطئة” بما فيها الموجودة في مجال الاعلام، زادتها تعقيدا إنهيارات أسعار النفط في الأسواق العالمية، كما أنها واجهت وتواجه الى غاية اليوم، أخطر “أزمة صحية” تمر بها البلاد منذ الاستقلال، فكيف يرى الإعلاميون سيرورة المعلومة في ظل جائحة فيروس كورونا القاتل أو خلال هذا الظرف الاستثنائي؟.

يقول الصحفي الطاهر فتاني، “بأن المعلومة “الكاملة” عن فيروس كورونا غير متوفرة بالشكل التي يرغب فيه الصحفي متسائلا: “ما معنى أن ينتظر الصحفيون يوما كاملا حتى يتلقوا احصائيات في المساء يعلن عنها الناطق الرسمي للجنة رصد ومتابعة فيروس كورونا الدكتور جمال فورار، بحضور وسائل الاعلام عمومية معدودة على الأصابع ! 

كما أعاب الصحفي، عدم تعاون بعض الخبراء الرسميين في مجال الصحة والأوبئة، مع رجال الاعلام، لتقديم تعليقات حول “نقاط الظل” في بعض الاحصائيات، وهو الأمر الذي يجعل الصحفي في حيرة من أمره، حول معلومة غير متوفرة بالشكل الكافي، وتداعيات فيروس كورونا على وضعه المهني اليومي من جهة أخرى.

وقال فتاني، أنه “من الضروري من وزارة الصحة أن تخصص ندوة صحفية يومية يتم فيها مراعاة شروط الوقاية من الفيروس، وبحضور المسؤولين المعنين، وتحضره جميع وسائل الاعلام العمومية والخاصة، وتُطرح فيها جميع الأسئلة بدون استثناء حتى يتم تنوير الراي العام الوطني بالمعلومة الصحيحة حول الوباء”.

وعرج صحافيون في مداخلاتهم، إلى بعض “التناقضات” في الأرقام التي تعطيها وزارة الصحة حول تطور وباء كورونا بالجزائر، وهي التشكيكات التي نفاها وزير الصحة عبد الرحمان بوزيد أكثر من مرة أن السلطات العمومية ليس من مصلحتها عدم الإفصاح عن أي معلومات حول الجائحة للرأي العام الوطني.

فيروس كورونا زاد من تراكم مشاكل الاعلام الجزائري، حسب مداخلة الإعلامي عثمان لحياني، الذي أكد أن الوباء زاد من تعميق الازمة التي كانت تعيشها الصحافة الوطنية، وقال لحياني أنه إضافة إلى هذه المشاكل المتعددة، هناك أزمة أولويات ظهرت مع الجائحة، حيث كان دائما يتم التضحية بـ” الثالوث المهمش” في صفحات الجرائد ووسائل الاعلام، وهي مواضيع “المناخ”، “الصحة”، والبيئة، التي أصبحت من القضايا الأساسية في العالم، لكن الاعلام الوطني لا يعطي لها الاهمية الكبيرة في المعالجة بذلك الشكل الكافي، في المقابل إستهلك كل وقته في تغطية ثرثرات سياسية بلا قيمة وشخصيات سخيفة، طغت بوقاحة على المشهد في فترة سابقة، واستحوذت قسرا وبتواطىء منا جميعا على الساحات والمساحات وعلى حساب مجالات أكثر حيوية للدولة والمجتمع”.

ووصف لحياني الدور الذي قامت به وسائل الاعلام الوطنية خلال جائحة كورونا، بـ”البروغوندا أو الدعاية ” الإيجابية، من حيث أنها قامت بدور توعوي للمواطنين وساهمت بشكل كبير في الوقاية من فيروس كورونا.

أزمة اتصال .. واتصال الازمات !

حاول بدورهم الأساتذة الجامعيون تفكيك شفرات الإشكاليات المطروحة للنقاش حول واقع الاعلام الجزائري اليوم في جائحة كورونا، بعد الاستماع الى تدخلات المهنين في هذه الندوة التي شارك فيها أيضا “الوطن برس”، حيث اعتبر البعض معاجلة السلطات العمومية للوباء غير موفقة، بعد استنادهم إلى مفاهيم “اتصال الازمات”، مؤكدين بأن الجزائر لا تزال تعيش “أزمة اتصال” مع وسائل الاعلام ومع المواطن البسيط، بالرغم من أنها تحاول تجاوز أخطاء النظام السابق، من خلال الخرجات الإعلامية للرئيس عبد المجيد تبون، والتحركات اليومية لأعضاء الحكومة، لكي تقترب أكثر من انشغالات المواطنين خاصة في هذا الظروف الصحية المعقدة.

وقد لمس مدير الندوة، محمد قيراط، غيابا تاما لاستراتيجية اتصالية حقيقية في هذه الازمة من قبل السلطات العمومية، “وكأن التاريخ يعيد نفسه، وهو الإخفاق نفسه الذي حصل خلال العشرية السوداء من حيث عدم توفر المعلومة بشكلها الكامل” على حد قوله.

وأوضح الأستاذ في جامعة قطر، بـأن “الأمور تغيرت اليوم، ولا يمكن إدارة ازمة مثل هذه بالطرق الكلاسيكية، لأن المواطن اليوم منفتح على العالم وهو يتميز بالذكاء اللازم لكي يعرف أن المعلومات المقدمة خاطئة او صحيحة”.

فلا يمكن بأي حال من الأحوال حسب قيراط، البقاء في السلوكيات القديمة المتسمة باحتكار المعلومة، لأن عهد مركزية هذه الأخيرة إنتهى وقتها،خاصة مع بروز فواعل اتصالية جديدة، على غرار مواقع التواصل الاجتماعي، والاعلام الجديد وهو ما يتحتم على الحكومات اعتماد الشفافية والصراحة في التعامل مع المعلومة خاصة في ظل الازمات.

ضرورة إطعام  “الوحش” !

وتحدث الأستاذ قيراط أيضا عن استراتيجيات يستوجب إتباعها من قبل الحكومات في ظل “إتصال الازمات” لكسب المصداقية مع المواطن ووسائل الاعلام، وذلك من خلال التحلي بالشفافية والوضوح في تداول المعلومة حتى يطمئن المواطن، والأكيد أن الوسيلة الأقرب الى هذا الأخير هي وسائل الاعلام التي يستوجب من الحكومات ان تُطعمها بالمعلومات أو كما تسمها بعض الاستراتيجيات بـ “إطعام الوحش”، أي أن الصحافة تمتلك شراهة كبيرة في ظل الأزمات، وتساؤلات لا تنتهي من أجل القيام بدروها، وهذا لا يتأتى إلا اذا سمحت الأنظمة بتداول المعلومات بشكل شفاف وعدم إحتكارها بشكل مركزي.

وعن دور الصحافة الوطنية في ظل هذه الازمة أوضح قيراط بانها قامت بدور إيجابي رغم صعوبة المهمة، في خضم جائحة فيروس كورونا، حيث ابرزت الحركية التضامنية في المجتمع وساهمت بشكل فعال في التهدئة من روع المواطن وهو أمر جيد.

قبل أن يستدرك في تدخلاته وتعقيباته المتعددة، للحديث عن دور الاعلام “المتخصص” في هكذا ظروف وهو الإعلامي “الخبير” في مجال معين، حتى يتم نقل المعلومة بشكل صحيح وواضح ودقيق، للمواطن البسيط. 

وتحدث أيضا قيراط على وضائف وسائل الإعلام التي لا يمكن أن تكتفي بدورها الاخباري فقط بل عليها أن تقوم بدروها التثقيفي والتوعوي وتراعي أيضا جميع الفئات العمرية في المجتمع، لأن هذا الأخير يعيش في أزمة صحية إستثنائية وعليها أن توفر له جميع المادة الإعلامية التي يحتاجها خارج دائرة الضيقة للوظيفية الإخبارية.

بالمقابل قال الأستاذ في جامعة سطيف، هشام عكوباش، أنه ليس من السهل الحديث عن فشل الاعلام الوطني في القيام بدوره في أزمة فيروس كورونا من عدمه، فهو يرى خلال مداخلته “بأن هناك إرباكا حقيقيا احدثه الاعلام الجديد على جميع المستويات متجاوزا الطرق التقليدية في التعامل مع المعلومة، سواء في الصحافة التقليدية أو غيرها من الاطراف المتحكمة فيها”.

موضحا بأن للأزمات “دورة حياة”، حيث تبدأ بمرحلة ولادة، تليها مرحلة النضج أو ذروة الازمة، ثم تأتي مرحلة ثالثة وأخيرة، أين تضمحل الأزمة وتموت، وهنا حسب الأستاذ عكوباش، يستوجب على الإعلاميين أن يراعوا هذه التغييرات التي تحدث في ظل الازمات، من أجل تقديم معالجة مهنية جيدة ودقيقة للمتلقي .  

 الصحافيون .. بين واقع مزري وفيروس مستشري!

“الظروف السيئة، التي يمارس فيها الصحفيون والصحافيات مهنتهم الإعلامية بلغت مستويات مقلقة .. ففي واقع حياتهم، لايزال الصحفيون يتعرضون للمزيد من الضغط النفسي، الاجتماعي والمهني وارتهان حياة منهم بالعشرات إن لم تكن بالمئات بين كابوس” التجويع والتفقير “بالفقدان المستمر لمناصب العمل، وتأخير صرف الرواتب، بذرائع ليست من جنس عملهم، ولا تقع مسؤولياتها على عاتقهم “.

هذا جزء بسيط، من أخر تقرير صادر عن نقابة وطنية معتمدة هي “المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين”، والمرسل إلى الجهات الرسمية قبل أيام، من أجل النظر في واقع حال الصحفيين الجزائريين، الذين يعيشون ضغوطات على جميع المستويات والأصعدة، هي نفسها الضغوطات التي تطرق إليها أيضا الدكتور محمد الفاتح حمدي، في جامعة قطر، خلال في مدخلته المقتضبة في هذه الندوة، موضحا “أنه إضافة الى المشاكل اليومية التي يعشها الصحفيون الجزائريون على المستوى النفسي والاجتماعي والمهني، أتت أزمة كورونا لتزيد من تعقيد وضعيتهم”.

ولخص الأستاذ حمدي في دراسة علمية انتهى منها مع بداية فيروس كورونا، مجموعة من الضغوطات التي تتصيد يوميات الصحفيين الجزائريين مهنيا، على غرار ضغط “السبق الصحفي”، حيث أن الصحفي دائم القلق من أجل البحث عن المعلومة “الحصرية” لكي يثبت جدارته في المؤسسة التي ينتمي اليها، وهو ما يشكل عليه ضغطا كبيرا في الغالب، وهذا الضغط لا يتوقف هنا بل يزداد كثيرا مع البحث عن مصادر المعلومات التي يستوجب أن يتأكد منها على الدوام، يليه أيضا “ضغط الوقت”، أي أن الصحفي يطارد الدقائق من أجل انهاء موضوعه بغية نشره أو بثه، قبل ذلك يكون وجها وجه مع السياسة التحريرية للمؤسسة الإعلامية التي يشتغل فيها، والتي تشكل ضغطا أخر عليه، والتي ستؤثر حتما كلها على يوميات الصحفي، والتي ستزداد صعوبة مع وجود أزمة مثل جائحة فيروس كورونا.

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

ربيع كاتب

صحفي مهتم بالشؤون السياسية والثقافية والدولية في جريدة الوطن برس .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق