رئيس نادي القضاة يُعلق على”تعديل قانون العقوبات”

قدم سعد الدين مرزوق رئيس نادي القضاة، قراءة بشأن مشروع تعديل قانون العقوبات الجديد المصادق عليه اليوم من قبل نواب المجلس الشعبي الوطني، محصيا عددا من الإيجابيات التي تُحسب لهذا المشروع، على غرار المواد التي تتضمن تجريم الأفعال الماسة بنزاهة الانتخابات والمسابقات، فضلا عن تجريم التزوير للحصول على الإعانات والمساعدات العمومية وللإعفاءات الاجتماعية، ولم يخلوا المشروع حسب رئيس نادي القضاة من بعض السلبيات حسب قراءته.
وجاء في قراءة رئيس نادي القضاة المنشورة عبر صفحته على الفاسبوك اليوم، تحت عنوان “قراءة بشأن مشروع تعديل قانون العقوبات الجديد”، ان “مشروع تعديل قانون العقوبات الجديد المعروض على قبة البرلمان أثار الكثير من الاختلاف بين مؤيد مسوق للقانون وعلى ضرورته في ضبط الانفلات في الحالة الاستثنائية التي تمر بها البلاد وبين متشائم بهذا النص معتبرا اياه انتهاكا وسقطة أخرى للسلطة التنفيذية في التضييق على الحريات”.
وأضاف مرزوق “بين هذا وذاك وفي محاولة منا للتجرد والموضوعية والانصاف نقول اننا نتفق مع القائلين بسوء اختيار التوقيت لعرض مشروع القانون على البرلمان في ظرف الجائحة الوبائية التي تمر بها البلاد وحالة الذعر التي يشعر بها المواطن المهدد في صحته سواء كان نخبويا او عاديا ولاهَمية الأحكام الواردة به كان الاجدى حسب راينا انتظار العودة الطبيعية للحياة العامة حتى يتسنى لجميع المختصين والمعنيين من قانونيين وخبراء علم الاجتماع والاطباء النفسيين والَمثقفيين عموما اعطاء رأيهم في هدوء وخلق نقاش مجتمعي يساهم في اثراء الوعي الجمعي للمواطنين والذين سيساهم بطريقة مباشرة في التاثير على قناعة ممثليهم البرلمانيين واختياراتهم والتي ستؤدي إلى قبول النصوص القانونية والقابلية لنجاعة تطبيقها”.
لكن بغض النظر على التوقيت -يقول رئيس نادي القضاة_، وبما ان مشروع القانون أصبح واقعا معروضا على البرلمانيين نقول من باب الإنصاف وحسب وجهة نظرنا ان لهذا النص ايجابيات متصلة مباشرة بالواقع الجزائري لا سيما القضائي وبه سلبيات نرى انها تكرس ثقافة إحكام القبضة الأمنية في المجتمع وتبني أسلوب الردع القضائي بمواد مرنة مطاطة التفسير في مسائل تتعلق بحرية التعبير والحق في النقد والاختلاف المعقول ، مهددة الأمن القانوني للمواطن ومخضعة السلطة القضائية لتقديرات الأجهزة الأمنية في المتابعات.
* أولا بالنسبة لايجابيات مشروع تعديل قانون العقوبات :
1 -تجريم الأفعال الماسة بنزاهة الانتخابات والمسابقات :
نحن نعتبر ان هذا التجريم في محله خاصة بعد زيادة حالات الغش التي تعرفها مختلف الامتحانات والمسابقات والتي اصبحت تستعمل بها مختلف الأجهزة التكنولوجية الحديثة وعجزت معها مختلف محاولات التوعية والردع الإداري مما نسف مصداقية الكثير منها وزيادة عدد حالات اكتشاف الغش والقيام بمتابعات كانت تبنى على نصوص يجد القاضي العادل معها اضطراره للتصريح ببراءة متهميها احتراما لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ، هذا النص نرى انه مهم في وضع الإطار الشرعي لمحاربة هذه الظاهرة الَمقيتة في شقها القضائي ونتمنى أن تكون تطبيقات هذا النص رادعة مقدرة لحجم الأفعال مميزة لشخصية مقترف الفعل ودرجة الخطورة مساهمة في إعادة احياء قيم الاجتهاد والعمل والتنافس المحمود .
2-تجريم التزوير للحصول على الإعانات والمساعدات العمومية وللاعفاءات الاجتماعية:
رغم رأينا أنه ينبغي أن يعاد النظر في سياسة توزيع والحصول على الإعانات والدعم الاجتماعي عموما وانه ينبغي قبل أي تجريم عصرنة جميع المؤسسات العامة واتباع سياسة رفع الدعم العام العبثي الشعبوي وتحديد المستفيد بدقة مع إعادة بناء اقتصاد محرض على قيم العمل والاجتهاد والنقد والاستقلالية والتنافس بدل التطبيل والتمجيد للحصول على الإعانات الاجتماعية الا انه ورغم ذلك نعتبر ان النص كان موفقا لمحاربة ظاهرة التزوير للحصول على الإعانات الاجتماعية والتي طغت في السنوات الأخيرة وكان يغض الطرف عن بعضها عمدا زيادة في الشعبوية وتحقيقا لبعض المكاسب السياسية الفارغة والتي اضرت بالاقتصاد الوطني واضرت بالفئات الهشة الحقيقية في المجتمع المستحقة للاعانة .
* ثانيا سلبيات مشروع تعديل قانون العقوبات :
كما ذكرنا سابقا بعض ايجابيات النص أعلاه نعتقد ان هذا النص قد يحمل مخاطر مهددة لحرية التعبير وكذا به سلبيات غرضها شعبوي اكثر منه تجريم فعلي.
1- في تجريم أفعال الإهانة والتعدي على الإمام :
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا التجريم هو لماذا تخصيص الإمام بحماية ونص تجريمي خاص مع انه موظف ومحمي بالقواعد العامة المذكورة بالمادة ١٤٤ من قانون العقوبات ومثله مثل باقي الموظفين..؟ حتى أن استقراءنا لمختلف التطبيقات القضائية في حدود علمنا لم نشهد معه أن الائمة كانوا اكثر عرضة للاهانات أو التعدي من رجال الأمن والاطباء والمحضرين القضائيين والقضاة والاساتذة ؟ طبعا نحن لا نملك إجابة لهذا التساؤل ولم يقنعنا التبرير الوارد في مشروع القانون وخوفنا في هذه المسألة ان يكون الاختلاف في المجال الديني من مذاهب وأراء واجتهاد مدعاة للَمتابعات القضائية للذين يخالفون الخطاب الرسمي المجسد في شخص الإمام الموظف ، وهذا حسب تقديرنا ملحق لضرر ومقيد لحرية الاختلاف التي سماها فقهنا (باختلاف التنوع).
هذا التحليل لا يعني اننا سنسمح بأي من الخطابات سواء المتشددة او التكفيرية او المهددة لاستقرار البلاد خاصة وأننا عانينا بما فيه الكفاية لعشرية من الدماء وعرفنا معنى بعض الاراء التشددية وخطرها ولكن رغم ذلك نرى انه ينبغي عدم تقييد حق الاختلاف مع الإمام واعتباره اهانة.
وعموما ومهما كان الغرض من وضع النص َكنا ومازلنا نرى ان الاكتفاء بالحماية العامة للموظف كاف في مجال الوظيف العمومي دون تمييز وكان من الاجدى إضافة نص يحمي العمال التابعين للمؤسسات العمومية الاقتصادية وذات الطابع الصناعي والتجاري لمجال الحماية مثل عمال شركات المياه والكهرباء والغاز بدل تفتيت المفتت واضافة نصوص معطوبة حسا ومعنى
2- في تجريم المساس بامن الدولة والوحدة الوطنية والنظام والامن العموميين :
كنا ننتظر ان يعاد النظر في بعض مواد قانون العقوبات التي تحمل معاني مرنة مطاطة لا تستقيم والصرامة التي تحرر بها نصوص القانون عامة ونصوص قانون العقوبات خاصة والتي تتسم بالشرعية الموضوعية التي تمنع الحكم بالشك أو الغموض ولا تجيز التوسع في التفسير والقياس وذلك كضمانة أساسية للمتهم .
الا انه وللأسف وفي سنة 2020 يعاد مرة أخرى اعداد نصوص خالية من الجودة القانونية و تحمل بذاتها بذور الاختلاف قبل بداية تطبيقها فكل قانوني او حقوقي او طالب بالقانون يعلم مدى الاختلاف في مفاهيم النظام العام وعناصر النظام العام ومدى تطبيقات النظام العام وكذا الأمن العام في الحالات العادية وامتداد اثره في الحالات الاستثنائية فما بالك بمفاهيم أخرى كالمصلحة الوطنية وتعريفها و المفهوم المضاد للمصلحة الوطنية او متبني خطاب الكراهية او غيره.
نحن نرى ان الإبتعاد عن الصرامة والدقة في إعداد النصوص القانونية بلغة باذخة انيقة مقتصدة وقوية والذي نعتبره مقصودا في المرحلة الحالية لا يساهم في تشكيل دولة القانون التي نادى وينادي بها الجزائريون.
اخيرا يقول رئيس نادي القضاة ” انه وبالرغَم من المصادقة على مشروع هذا القانون من طرف الغرفة السفلى في انتظار مجلس الأمة كان ينبغي التريث سواء في اعداده او في التصويت عليه ونقول ان التاريخ سيحمل كل منا مسؤوليته سواء بالمساهمة في جعل دولة القانون حقيقة او العكس بالتضييق على الحريات “.