
خلف إتلاف رسومات جدارية، بساحة بن بولعيد بالعاصمة، لغطا واسعا وسط المجتمع الجزائري خلال الأيام الأخيرة، بين مستنكر للعملية التخريبية، وبين مؤيد لها باعتبار أن الأمر أُقحمت فيه عدة مصطلحات غريبة على غرار “الماسونية”، حيث إقتنع مؤيدوا هذا العمل الشنيع وبدون دليل، بأن الجدارية تحمل فعلا رسومات على تلك الشاكلة، ومن بين ضحايا هذه القضية أيضا كاتب الدولة للانتاج الثقافي، سليم دادة الذي تعرض لحملة تشويه واسعة بعدما تفقد ساحة بن بولعيد ووعد بترميم ما أقدم عليه المخربون.
الهجمة التي تعرض لها الفنان سليم دادة، جعلته يرد على المنتقدين بشكل رصين وهادئ، لتوضيح بعض الأمور حول حقيقة هذه الرسومات التي فجرت تراشق كبير بين مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية.
وكتب سليم عبر صفحته على الفاسبوك، “إيمانا مني بمبدئ الحوار وأدب النقاش وبأن العلم نور والجهل ظلام وبأن “اللي ما يَعرفِكش يخَسْرِك”، فإنني سأبادر، ولست مرغما، بتقديم مجموعة من العناصر والمعلومات المفيدة اللازمة امامكم، وذلك لفهم ما يحدث اليوم في محاولة لتفكيك لغم الحملة الشعواء التي طالتني، وهي التي تنم عن عدم الإلمام بالقضية ولا التحري اللازم قبل الحكم على الأشياء، بل وإتهام الأشخاص والتحريض على إذئهم”.
وبعدما استنكر دادة ما لحقه من انتقاد شديد وهجمة شرسة، بعد معاينته لساحة الجريمة الفنية في 20 ماي الماضي، مقدما مجموعة من المعلومات وأدوات حول الجدارية لمناقشة هذا الموضوع بهدوء وروية.
أكد دادة، بأن مشروع تزيين جدارية ساحة بن بولعيد يعود لسنة 2012، وقد استغرق إعداده حوالي عامين (2) إلى أن تم انجازه ما بين 6 إلى 15 نوفمبر 2014. وقد جاء كنتيجة لسلسلة من الأبحاث والاجتماعات قامت بها منصة “الحوارات عبر الثقافاتDialogues Trans- Culturels “في كل من الجزائر (2013) وتونس (2013) وبرلين (2014) وتيسالونيكي (2014).
مذكرا بإن منصة “الحوارات عبر الثقافات TCD” ولدت كجزء من منتدى شبكة المبتكرين الثقافيين في اسطنبول (تركيا) في ديسمبر 2012 الذي نظمه معهد جوته (اسطنبول، الإسكندرية)، في سبيل تطوير الفن المعاصر وتعزيز التنقل والتعاون بين المهنيين والباحثين الثقافيين في المنطقة الأورو متوسطية، كأحد العوامل الرئيسية لتعزيز التغيير الاجتماعي. وذلك من خلال إشراك الشباب، ضمن مبدئ المفهوم التشاركي “افعل ذلك معًا do it together DIT)، عبر إبداعات حِرفية أو مرسكلة وبميزانية منخفضة، مع منح كامل الحرية للمشاركين للتعبير عن أفكارهم وإبداعاتهم باختلاف خلفياتهم وأشكال مشاركتهم ومساهماتهم الفنية او الحرفية.
المشروع حسب دادة، حمل اسم (DJART’14 الجزائر-فن 2014) وهو أول حدث دولي تنظمه منصة “الحوارات عبر الثقافات TCD “، حيث جمع فيها الفنانين الشباب والناشطين والمبتكرين الثقافيين من دول مختلفة في منطقة البحر الأبيض المتوسط الذين عملوا على تنظيم مشاريع ثقافية وفنية لتعزيز الممارسات في الفضاء العام ومعالجة القضايا الاجتماعية والثقافية المعاصرة من خلال العمل التشاركي. القاسم المشترك لهذه المبادرة يبقى هو الحاجة الإبداعية لإنشاء منصة وفضاء تواصل بين الناس والأفكار والتفكير النقدي والانعكاسي، بالإضافة إلى تعزيز التعاون والتبادل الدولي.
وأضاف الفنان الموسيقي:”هي اذن النسخة الأولى من بينالي ثقافي دولي متعدد التخصصات أقيم في الجزائر، نظم من قبل منصة “الحوارات عبر الثقافات TCD” وعديد الجمعيات الثقافية الجزائرية المعتمدة كجمعيات “سايكا” وChrysalide وArtissimo، بالشراكة مع الجمعية الإسبانية Jiser من برشلونة، بدعم من وزارة الثقافة (Ddpa) والوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي Aarc، مع تصريح بالنشاط من قبل بلدية الجزائر الوسطى. العديد من المؤسسات الوطنية والأجنبية في الجزائر ساهمت بدورها في دعم هذا المشروع، كالديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة Onda، الخطوط الجوية الجزائرية، مؤسسة النقل الحضري Etusa، السفارة الهولندية، السفارة الأمريكية، معهد غوته الألماني ومعهد سيرفتنيز الاسباني والمعهد الفرنسي وكذلك بعض الخواص”.
مهرجان فني فريد من نوعه في المنطقة
موضحا بأن “هذا المهرجان DJART’14 كان اذن فريدًا من نوعه في المنطقة، وقد جاء تشاركيًا بالكامل كما ركز على استغلال الأماكن العامة مع تنظيم العديد من الأنشطة مثل: ورش العمل ومنشآت الفنون البصرية، إعادة تصميم الأماكن العامة، الحفلات الموسيقية في الشارع، الخط الحائطي calligraffiti، فعاليات فن الشارع street-art ومناقشات حول التنقل الفني والفن في الأماكن العامة”.
كما جمع “هذا المهرجان العديد من الفنانين المحليين والدوليين (ياسين وأورينتال غروف، eL Seed، وليد بوشوشي، نيسان قسنطيني، حمزة الفسيكي، لويز ديب، ديموكراتوز، حسام مقدم، سليم لاماري، محمد علي ديب، الرجل الأصفر، بالإضافة إلى العديد من طلاب المدرسة العليا للفنون الجميلة Esba والمدرسة المتعددة التقنيات للعمارة والعمران Epau)، وكذا المنظمات الثقافية مثل مركز BAC للفنون (تونس) ومؤسسة دلفينا (المملكة المتحدة) وAria (الجزائر/ إنجلترا “.
في سبتمبر 2016، كان هناك المشروع الثاني الذي قام به بعض أعضاء “الحوارات عبر الثقافات TCD” وهو المدعو بـ “المدرب El Medreb”، في بحث لإعادة بعث الروح في المباني المهجورة في الجزائر العاصمة. كان ذلك في منطقة بلكور، حيث تم من خلال هذا المشروع دراسة سياقية اجتماعية ومعمارية وتاريخية توجت هي الأخرى ببرنامج ثقافي تضمن ورش عمل وتدخلات فنية وعروض أفلام ومعارض صور وميكروفون مفتوح وباركور وعروض مسرحية.
مشروع ببعد ثقافي وحواري دولي
وكخلاصة قال دادة، بأن “مشروع DJART’14 أو انجاز جدارية وتزيين وتوضيب “ساحة بن بولعيد” وبعض الأماكن في شارع بلمهيدي في الجزائر الوسطى، هو مشروع جمعوي مدني، ينخرط ضمن مسعى ثقافي حواري دولي، تم التخطيط له والبحث فيه لأشهر عديدة، حيث تمتع بكل التراخيص اللازمة والمتابعة المؤسساتية من قبل وزارة الثقافة والبلدية، كما حصل على دعم العديد من المؤسسات الوطنية والأجنبية في الجزائر، كان تحت اشراف عديد الجمعيات الثقافية الجزائرية المعتمدة، وانجزه عشرات الفنانين والطلبة الشباب، على مسمع ومرئي من سكان الحي (شارع طنجة) الذين شاركوا هم أيضا وعلى طريقتهم (توفير الماء والاكل، مساعدة الأطفال، وصل الكهرباء، …) في دعم هذا المشروع والحفاظ عليه إلى اليوم، لولا الحادثة الأخيرة.”
مضيفا بأنه “تجسيد للروح التشاركية وتحقيق للبهجة والفرحة والنقاش البريء، اضفاه على ساكنة الحي الذين كانوا يصطحبون أطفالهم لمشاهدة عشرات الشباب الجزائري خريجي المعاهد والجامعات الوطنية يعملون ويبدعون ويتشاركون في تحسين هوية حي شعبي، كان في الـتسعينيات مرتعا لمروجي المخدرات والمتبولين والمشبوهين.”
وقبل ان يختم دادة منشوره تساءل : “لماذا هذا التوقيت بالذات لتخريب هذه الجدارية (اكتوبر 2019) اي بعد قرابة خمس (5) سنوات من انجازها؟ ولماذا لم يتم بث الفيديو حينها بل هذا الاسبوع فحسب؟ ولم هذه الحملة الشعواء الآن بالذات؟ ومن المستفيد من ورائها؟