السياحة الجزائرية..من عصر التيلكس إلى حتمية الرقمنة!

كان لتأثير جائحة كورونا، تداعياتها السلبية الكثيرة على مختلف المجتمعات والدول وبنياتها الاقتصادية والاجتماعية، بما فيها الجزائر التي تأثرت هي الأخرى بهذا “الوباء الاستثنائي” الذي فرض منطقه على مختلف النشاطات الاقتصادية بما في ذلك “النشاط السياحي”، هذا المورد الهام في الاقتصاد العالمي، كان سيُساهم بنسبة 3،93 بالمائة في الاقتصاد الوطني نهاية هذه السنة حسب خبراء اقتصاديين، إلا أن الوضعية الخانقة للسياحة بسبب ذات الجائحة، جعلت الفاعلين في القطاع  يُطلقون بدل ذلك”نداء إستغاثة” في العديد من المرات، لإنقاذ مؤسساتهم من الإفلاس ؟

حالة الركود التي فرضتها انعكاسات الجائحة وما تبعها من إجراءات صحية لحماية المواطنين، كتعليق النقل البري والجوي والبحري داخليا وخارجيا، جعلت أصحاب المؤسسات السياحية، يصطدمون بالسؤال التالي : ماذا نفعل في هذه الازمة ؟، هذا السؤال الجوهري أحالهم للبحث عن مصادر أخرى للتمويل بطرح أفكار جديدة، للوصول للزبون أو العميل السياحي، فضلا عن السعي للتخلص من الرواسب التقليدية الراسخة في قطاع السياحة، و التي أثبتت “فشلها” حسب العديد منهم، خاصة في ظل وثبة تكنولوجية جديدة كثر فيها الحديث عن “السياحة الرقمية” التي فرضت نفسها كبديل عن السياحة التقليدية في عمليات “الاتصال” ،”التسويق” و “التسيير”.

“كورونا”.. تضع السياحة الجزائرية على المحك!

لا شيء يُغير المفاهيم ويُعيد ترتيب الاستراتيجيات داخل المؤسسات وخارجها سوى تلك “الأزمات المفاجئة” والخانقة، فهذه الأخيرة تُعتبر محكًا حقيقيا لكل مشروع مؤسساتي وبوصلة تكشف عن مدى الفاعلية والمرونة اللازمة التي تتمتع بها هذه “الفواعل الاقتصادية” لخلق فرص سانحة للاستمرار على المستوى الميداني، فالحديث عن تحولات إجتماعية واقتصادية وسياسية، عالمية بسبب الأزمة الصحية المباغتة، أصبح واقعا ملموسا يفرض تغيير الخطط والاستيراتجيات الكلاسكية من أجل الاستمرار والتقدم نحو الأمام، خاصة في مجال السياحة.

وهذا ما دعا اليه الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية (UNWTO)، زراب بولوليكاشفيل، عشية انعقاد اجتماع وزراء السياحة في مجموعة العشريين في 7 أكتوبر الماضي:” بأن تتحول هذه الأزمة إلى فرصة حقيقة لخلق قطاع سياحي أكثر استدامةً وشمولًا وقدرةً على الصمود في مثل هذه الأوضاع الاستثنائية”، كما نوه بدور الحكومات في التعامل مع مسألة انعاش القطاع، بطريقة أكثر تكاملا، من خلال اشراك الأطراف الفاعلة في خطة اعادة الاحياء، مستعرضا في ذات الصدد بعضا من الخسائر التي خلفتها أزمة كورونا على قطاع السياحة العالمية، حسب ما تُشير إليه المعطيات للعام 2020، حيث تراجعت مداخيل القطاع بنسبة تتراوح بين 60 و80 في المئة ، لتدخل بدورها أكثر من 100 مليون وظيفة مباشرة في قطاع السياحة، مرحلة الخطر”.

في الجزائر، وحسب إحصائيات رسمية تم الكشف عنها في شهر جويلية الماضي، قدرت خسائر قطاع السياحة على مستوى الفنادق العمومية فقط بـ 27.3 مليار دينار أي ما يناهز 227 مليون دولار، دون إغفال الاضرار التي تكبدتها الشركات والوكالات السياحية في القطاع الخاص جراء فيروس كورونا، حيث وضع 3600 مؤسسة على حافة الإفلاس ما يعني إحالة ألاف من اليد العاملة الفنية والبسيطة على العطالة، ناهيك عن المؤسسات الفندقية الخاصة، التي أغلقت أبوابها طيلة شهور كاملة، نجم عنها تسريح لكتلة عمالية ضخمة، فهذه الوضعية المربكة، جعلت الناشطين في القطاع يدقون ناقوس الخطر، من أجل تدخل الحكومة لإنقاذ مؤسساتهم من الاندثار من السوق الوطنية، لذلك شرعت الحكومة في مخطط إنعاش اقتصادي واجتماعي، شامل مس أيضا قطاع السياحة، من خلال  التركيز على إعادة تنشيط السياحة الداخلية لتخفيف حدة الازمة بعد رفع الحجر الصحي على أغلب الولايات، كما باشرت الوزارة الوصية عملية جرد وإحصاء للخسائر التي تكبدها القطاع طيلة 8 أشهر من بداية الازمة الصحية.

كما تجدر الإشارة إلى أن الوزارة الوصية تسعى لتطبيق مخطط توجيهي للتهيئة السياحية الجزائرية (SDAT)، والممتد إلى 10 سنوات قادمة، والذي يعتبر مرجعاً لسياسة جديدة تبنتها الدولة الجزائرية ضمن مخطط وطني شامل لتهيئة الإقليم في آفاق 2030 (SNAT)، سعيا منها لتوفر توجيهات استراتيجية للتهيئة السياحية في كافة التراب الوطني، بغية تحقيق 5 أهداف رئيسية ، منها تحويل السياحة لقطاع مساهم بفاعلية في تنمية الاقتصاد وكبديل حقيقي لقطاع للمحروقات.

رغم هذه الغاية الكبرى يبقى هذا القطاع الحيوي الذي يساهم بـ 2.6 ترليون دولار في الاقتصاد العالمي؟ غائبا تماما كقطاع فاعل في الاقتصاد الوطني، بالرغم من الإمكانيات الهائلة التي تتمتع بها الجزائر كوجهة سياحية عالمية، وبالرغم من صرف الملايير من الدينارات على مخططات الإنعاش السياحي خلال السنوات الماضية، والتي يبدو أنها فشلت في تحقيق الوثبة المنتظرة- حسبما أشارت اليه دراسة إقتصادية لمجلة “دراسات” الدولية، والتي تصدر عن جامعة الاغواط -، تحت عنوان “رؤية استشرافية لمساهمة قطاع السياحة في الاقتصاد الجزائري”، و كذلك في عدم تحويل السياحة كمورد هام في الاقتصاد الوطني مثلما هو موجود في العديد من الدول، فهل تفلح التوجهات الاقتصادية لـ”الجزائر الجديدة”، في إعادة الاعتبار للسياحة كقطاع استراتيجي، لإخراج البلاد من التبعية للنفط بصفة نهائية هذه المرة ؟

السياحة العالمية في قلب التحوُلات الرقمية”..ماذا عن الجزائر؟

قبل عامين إتخذت المنظمة العالمية للسياحة عبارة “السياحة والتحول الرقمي”، كشعار لها، لإدراكها بالتغييرات العميقة والرهانات الجذرية الحاصلة على مستوى الاقتصاديات العالمية، بفعل تأثير التكنولوجيات الجديدة خاصة في مجال الاتصال والرقمنة، وكان لظهور فيروس كورونا القطرة التي أفاضت الكأس حيث رافقه إستخدام كثيف لوسائل الاتصال بسبب بقاء الناس في منازلهم خلال فترة الحجر الصحي، فضلا عن احتفاظ اغلبية المؤسسات السياحية بالحد الأدنى من الخدمات في تعاملاتها مع المواطنين أو الزبائن، كل هذه المعطيات جعلت منظمة السياحة العالمية، تُعاود التذكير في بداية أكتوبر الجاري وعلى لسان أمنيها العام، “بضرورة الإسراع في عملية التحوُّل الرقمي والانتقال الى “إقتصاد سياحي” مستدام، له القدرة على الاستمرار والصمود في وجه الازمات”، من خلال طرق وأليات التسويق والعرض والحجز وتفعيل عملية التسيير لتلك الحلقة الدائرية التي تبدأ من الزبون وتنتهي إليه والتي يستوجب إستغلالها بشكل فعَال في قطاع السياحة، وتشير احصائيات للمنظمة العالمية للسياحة، أن 80 بالمائة من المعاملات التي تتم في قطاع السياحة العالمية تتم بطريقة رقمية، وهو ما يتيح للفاعلين في ذات القطاع في العالم بشكل عام والجزائر على الخصوص العثور على بدائل أقل تكلفة وأكثر فاعلية وسرعة، للدفع بقطاع السياحة الى الامام حتى في عز الأزمات.

 الجزائر بدورها لم تغفل عن هذه التحولات التكنولوجية والرقمنة الحاصلة في العالم، وركزت ضمن واحدة من الديناميكيات الخمسة التي يتضمنها المخطط التوجيهي للسياحة الجزائرية في أفاق 2030، على الانفتاح على تكنولوجيا الاعلام والاتصال دون إغفال عملية إدماج التكوين من خلال الارتقاء المهني والتعليم، من أجل تحقيق هدف نشر مخطط الجودة الخاص بالسياحة (PQT)، و تطوير عملية التميز في العروض السياحية الوطنية، حسب ما يتضمنه المخطط.

 وفي عز فيروس كورونا بالجزائر وبالضبط في أفريل الماضي، ذهبت وزارة السياحة والصناعة التقليدية والعمل العائلي، بعيدا في مفهومها للسياحة الرقمية، حيث دعت على لسان وزيرها السابق حسن مرموري، الفاعلين في قطاعها، إلى ضرورة ” تعزيز هذا النوع من السياحة وتفعيل ما أصبح يعرف اليوم بالسياحة الافتراضية أو سياحة المنازل والترويج الرقمي للصناعة التقليدية من خلال برمجة الزيارات الافتراضية التي تساهم في الترويج لوجهة الجزائر وللمنتج التقليدي الجزائري دون عناء التنقل” مع” اتخاذ جملة من التدابير والإجراءات التضامنية الرامية لخلق ديناميكية ترويجية إفتراضية للوجهة السياحية “الجزائر” في عز الأزمة الصحية العالمية “كوفيد 19”.

لم يتوانى أيضا، المستشار السابق في وزارة السياحة، السعيد بوخليفة، في عقد أمال كبيرة على “الرقمنة” من أجل تطوير قطاع السياحة في الجزائر، حيث أكد في تصريح لـ “الوطن برس”، بأن أزمة كورونا أثرت بشكل سلبي على السياحة في البلاد، لكن يمكننا أن نتعايش معه خاصة مع الحديث عن وجود موجة ثانية للفيروس، ونعيد إنعاش قطاع السياحة من خلال التخلص من الطرق التقليدية في طرق “التسيير” و”الترويج” للمنتوج السياحي، وهذا في نظره يستوجب أن يكون ضمن استراتيجية محكمة يتم تباينها على أعلى مستوى، حيث يتم فيها استغلال هذه التكنولوجيات الجديدة في الوصول إلى السائح المحلي أولا، والذي أصبح اليوم يلجأ بعد غلق الحدود ورفع الحجر الصحي عن بعض الولايات، للسفر الى المناطق السياحية الداخلية المتواجدة عبر كامل التراب الوطني، وهذه ” فرصة ممتازة ” -حسبه- لكي يتعرف الجزائريون على الوجهات السياحية الداخلية في بلادهم.

كما يرى صاحب كتاب “ذاكرة السياحة الجزائرية“، الصادر في 2018، بأن واقع الرقمنة الحالي في قطاع السياحة، ضعيف جدا بالمقارنة مع العديد من الدول التي تعتمد على مورد السياحة بشكل كبير في اقتصادها، “فليس هناك إستغلال فعال لهذه المساحات الرقمية التي أتاحتها التكنولوجيات الجديدة لخدمة قطاع السياحة “على حد قوله ، موضحا “أنه في سنوات 2010 كنا في وزارة السياحة نتحدث عن كيفية إستغلال الأليات الرقمية لتحريك المياه الراكدة في هذا النشاط، لكن فيما بعد لم نعد نسمع بشيء في هذا الاتجاه، وهذا في رأيه لغياب استراتيجية فعلية من قبل الحكومات المتعاقبة من أجل للنهوض بقطاع حساس في الاقتصاد الوطني”.

لم يتوقف رئيس نقابة الوكالات السياحية الجزائرية هنا فقط، بل تأسف لعدم وجود ورشة خاصة بقطاع السياحة، في استراتيجية الحكومة الجديدة، التي خصصت 11 ورشة من أجل الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، لكن في الأخير تغافلت – حسبه – عن قطاع مهم في أي نسيج اقتصادي لأي دولة، قبل أن يستدرك : “صحيح أن هناك هياكل كثيرة موجودة عبر كامل ولايات الوطن،  لكن تقابلها ديناميكية ثقيلة جدا في تطوير قطاع السياحة في البلاد، فالجزائر في نظره من أضعف البلدان المغاربية التي تستقبل السياح سنويا، حتى قبل ظهور جائحة كورونا، رغم أنها تملك طاقات سياحية هائلة لكي تكون وجهة سياحية عالمية”.

السياحة الجزائرية .. الطريق الحتمي نحو الرقمنة !

وقارن محدثنا بين سنوات ازدهار السياحة الجزائرية خلال السبعينات من القرن الماضي وبالواقع الحالي قائلا : “إن القائمين على قطاع السياحة في الجزائر، خلال السبعينات ورغم أنهم كانوا يتعاملون بـ تقنية ” التيليكس “، الأداة الاتصالية الأكثر فعالية خلال القرن العشريين في مجال الاعمال والتجارة الدولية والسياحة بشكل عام، إلا أن الجزائر -حسبه – كانت وجهة سياحية عالمية تحتل مكانة كبيرة في العالم أفضل من العديد من الدول على غرار تركيا ومصر، لأن هناك استراتيجية واضحة وهناك أيضا إرادة سياسية قوية لتطوير هذا القطاع الحيوي، اليوم أيضا يمكن للبلاد في الظروف الحالية والتوجه الجديد للدولة، أن يكون لهذا القطاع مساحة أكبر في الاقتصاد الوطني، على خلفية الفرصة التي تمنحها التعاملات الرقمية الحديثة خاصة مع وجود جيل جديد يستخدم التكنولوجيات الحديثة بشكل كثيف، ويقوم بعملية ابتكار لأساليب وسلوكات جديدة، وهو ما يمكنه أن يُحقق وثبة كبيرة شريطة أن يتم وضع استراتيجية شاملة لهذه “المنظومة الرقمية”، والتي يمكن لها أن ترفع من مستوى تدفق السياح نحو الجزائر بشكل كثيف جدا وقبل ذلك تُعيد السائح الجزائري ليتعرف اكثر على بلاده، وهذا الامر في نظره لن يتم بين عشية وضحاها، لكن سيكون متاحا خلال السنوات القليلة المقبلة”، يضيف محدثنا.

من جهته يقول محمد بودالي، الأمين العام للنادي السياحي الجزائري، الذي يضم حولي 40 شركة ومؤسسة سياحية، في تصريح لـ “الوطن برس” أن السياحة الرقمية من المفاهيم الجديدة، التي تتعدى تلك العملية الإعلانية البسيطة التي تتم عبر وسائط التواصل الاجتماعي، رغم أن هذه الأخيرة تعتبر من جزء من أدواتها التي هي بدورها جزء من مفهوم فرعي يسمى بـ”التسويق الرقمي”، الذي هو من أليات “السياحة الرقمية”، وهذه الاخيرة “حسب بودالي”، ستبقى بلا معنى بدون وجود “مواقع إلكترونية”، التي تمنح “الوجود الرقمي” لأي فاعل في قطاع السياحة في الجزائر، وهي ليست أيضا عملية للتعامل مع الزبائن وتسويق فقط بالقدر أنها طريقة تسيير حديثة، وهو ما انتبهت إليه مختلف الوكالات السياحية في الجزائر في السنوات القليلة الأخيرة، فمعظمها اليوم تمتلك منصات الكترونية أو باشرت في إنشائها، ومن ميزات هذه المواقع الرقمية حسب بودالي، اتاحة فرصة النشر للإعلانات بشكل غير محدود عبر الانترنات، والاقتراب من الزبائن بشكل دائم وسريع وفعال”.

منصات إلكترونية .. لتفعيل “الوجود الرقمي” للسياحة في الجزائر

 وربط محدثنا الفاعلية بالوجود الرقمي، قائلا: ” إن الوجود الرقمي عبر الانترنات لا يعني شيئا، إذا غابت الفاعلية، وهو ما يجعل الوكالات او الناشطين في قطاع السياحة، دائموا التواجد بجانب الزبائن الذين هم في حالة استخدام أيضا لتكنولوجيات الاتصال الجديدة على غرار الهاتف او الحاسوب الشخصي او اللوحات الالكترونية، وغيرها من الوسائل الرقمية الجديدة”.

واستطرد بودالي، في حديثه عن أليات التفعيل الرقمي للمواقع الالكترونية الخاصة بالوكالات السياحية ومختلف المؤسسات التي اتخذت هذا المنحى الرقمي في تعاملاتها، والتي غالبا ما تتم بطريقتين حسبه، وتسميان بالإنجليزية، ” SOE” و “SOA”، أي التفعيل عن طريق محركات البحث عبر الانترنات، وتوجد طريقة أخرى للتفعيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تسمى أيضا بالإنجليزية،”SMA”.

وعاد بودالي للحديث أيضا عن أهمية المساهمة التي تتيحها الوسائل الرقمية لقطاع السياحة، حيث قال: أن هذه الوسائل الحديثة، تساهم بثلاث طرق رئيسية، الأولى هي “وسيلة للتسويق السياحي”، فبعدما يكون للوكالة موقع الكتروني، سيتيح لها الفرصة تفعيل وجودها من خلال عمليات البحث بـ”طريقة عضوية” والتي تتم غالبا من خلال عرض المحتوى الرقمي الخاص بالوكالة، كالملصقات الاشهارية، الفيديوهات وغيرها من المضامين، فكلما كانت المنصة الاكترونية، تتوفر على محتوى دائم، كلما كانت لها الفرصة في استقطاب أكثر للزبائن أو العملاء الإلكترونيين كما يتم تسميتهم في مجال السياحة، كما تستطيع الوكالة أيضا تفعيل عملية البحث بـ”طريقة تجارية” من أجل استهداف الزبائن، أي أنها تقوم بشراء الكلمات المفتاحية، على محركات البحث بغية  زيادة استقطاب الزبائن، وهي نفس العملية التي يتم استخدامها عبر مواقع التواصل الاجتماعي “الفاسبوك” وغيره.   

وفي معرض حديثه عن الطريقة الثانية لاستخدام الوسائل الرقمية في قطاع السياحة، نوه بودالي بأهمية “الإتصال السياحي” مع الزبائن،  وهذا عن طريق “الدردشة الألية” عبر المواقع الالكترونية التي هي عبارة عن برامج تُسهل عملية التواصل مع الزبون من أجل ربح الوقت والجهد، وليس هذه هي الميزة الوحيدة التي توفرها التكنولوجيات الرقمية من خلال التواصل، بل ستتيح أيضا الفرصة للتواصل مع مواقع الكترونية لمؤسسات أخرى، وهنا تتحول الوكالة السياحية ومن خلال هذه الطرق الرقمية الى عبارة عن “وسيط تجاري”، وبالتالي يستطيع الزبون حجز تذكرة السفر في مؤسسات النقل، وحجز الغرفة في المؤسسات الفندقية، وغيرها الخدمات التي يرغب في الحصول عليها، وهذا عن طريق هذه العمليات الرقمية المتكاملة، وأوضح بودالي  في ذات السياق “أن هذه المعاملات موجودة عبر مختلف الوكالات السياحية في الجزائر، بقي فقط أن يتم تثقيف الزبون على “التعاملات الرقمية” من أجل الاعتياد على استغلالها للحصول على الخدمة التي يستوجب توفيرها”.

أما الطريقة الثالثة لمساهمة تكنولوجيات الرقمنة في قطاع السياحة، فيقول الأمين العام للنادي السياحي الجزائري، فإنها وسيلة فعالة في عملية “التسيير”، والتي بدورها تتم عبر ثلاث محاور كبرى، حيث يتمثل المحور الأول في “متابعة الزبائن” لقياس مدى رضى العملاء السياحين عن المنتوج الذي اختاروه، أما المحور الثاني فيتمثل في “إدارة العلاقة مع العميل السياحي”، حتى يبقى الزبون في شراكة دائمة مع الوكالة من خلال العروض الجديدة التي تقدمها كل مرة، الرقمنة  تسمح  أيضا بتسيير” البيانات الكبرى BIG  DATA” الخاصة بالزبائن وعلى هذا الأساس تعيد الوكالة تقييم عملها وعلاقتها مع الزبون من أجل انشاء استراتيجية جديدة للتعامل معه، وهي المحور الثالث في عملية “الإدارة والتسيير” التي تمنحها تكنولوجيات الرقمنة.

وفي إجابته على سؤال حول استخدام الوكالات السياحية الجزائرية، لمثل هذه الطرق الثلاثة في الرقمنة، قال بودالي، “كل هذه الطرق الحديثة في “الاتصال” و”التسويق” و”التسيير” السياحي يتم استخدامها في الجزائر، لكن بدرجات متفاوتة من وكالة الى أخرى” على حد قوله.

* نحو “مستهلك رقمي” جزائري في مجال السياحة

يُعتبر “الزبون”، الحلقة الأساس، التي تسعى جميع الوكالات والمؤسسات السياحية للوصول إليه وإغرائه بمنتجاتها، وليس هناك طريق أقصر من الأساليب الرقمية الحديثة.. نصيرة مومن، واحدة من السيدات الناشطات بشغف في مجال السياحة في الجزائر، تقوم بتسيير وكالة سياحية “رحلة القلب”، وهي إحدى الوكالات التي أخذت على عاتقها التسويق والترويج للسياحة الداخلية كخيار استراتيجي تراه مناسبا تماما، من أجل أن يكتشف الجزائريون بلادهم الجميلة والغنية بالمواقع السياحية النادرة، تقول السيدة لـ”الوطن برس”، “إننا نملك بلدا جميلا جدا، يتمتع بمؤهلات عظيمة لكي يكون وجهة سياحية عالمية بامتياز، لكن في المقابل أغلبية الجزائريين لا يعرفون بلادهم بشكل جيد، فيفضلون الوجهات الخارجية لقضاء عطلهم، لكن مع التطور التكنولوجي والعملية الاتصالية الحديثة التي وفرتها مواقع التواصل الاجتماعي وخاصيات “الرقمنة” الجديدة، بتنا على مقربة من اهتمامات الزبون داخل الوطن، وحتى تلك العائلة التي كانت لا تملك أجندة سياحية في يومياتها أصبحت اليوم مهتمة جدا، حيث تتواصل وتسافر معنا بفضل التقنيات الحديثة التي لجأنا لاستخدامها بغية الترويج لمنتوجنا السياحي”.

تشرف ذات السيدة أيضا، على “موقع الكتروني” خاص بوكالتها السياحية، وهو موقع رقمي يستغل مواقع التواصل الاجتماعي على غرار الفاسبوك، لنكدن، ولانسغرام، من أجل “التسويق” للوجهات السياحية التي تعرضها الوكالة، تقول ذات السيدة : ” أن 80 بالمائة من زبائن الوكالة لا أقابلهم بصفة مباشرة، بل يقومون بالتسجيل عبر منصتنا الالكترونية، بعدما يتعرفون على مختلف المنتوجات السياحية المعروضة والسفريات التي نقدمها في ذات الفضاء، فوكالتنا أسست مشروعها على الثقة المتبادلة بينها وبين الزبون، وبأسعار مغرية وتنافسية” تؤكد ذات السيدة، ” لكن يبقى الدفع الالكتروني مشكلة قائمة بالنسبة لنا نحن الوكالات السياحية، حتى نصل إلى “مستهلك رقمي” متكامل في مجال السياحة بالجزائر”.

المدير العام للديوان الوطني للسياحة لـ “الوطن برس”

“كورونا أثرت على السياحة الجزائرية والرقمنة فرضت نفسها بقوة”

أكد من جهته المدير العام للديوان الوطني للسياحة، نبيل ملوك، بأن فيروس كورونا، أثر بشكل سلبي على النشاط السياحي في البلاد، لكننا نعمل على تجاوز هذه الازمة من خلال تشجيع السياحة الداخلية، والتأقلم مع الوضع الصحي الحالي، ولم يغفل ملوك خلال الحوار المقتضب الذي خص به “الوطن برس”، التطرق الى الحديث عن الرقمنة والتي قال بأنها فرضت نفسها بقوة في مجال السياحة.

كيف تقيمون أثار فيروس كورونا على قطاع السياحة بالجزائر، خاصة مع وجود أكثر من 3 ألاف وكالة سياحية، مهددة بالإفلاس؟

فعلا لقد تركت الأزمة الصحية العالمية لكوفيد 19 آثارا سلبية على النشاط السياحي في الجزائر على غرار كل بلدان العالم.

وبالنسبة للوكالات السياحية، فهي تعمل بمرافقة الدولة على تجاوز الأزمة من خلال التوجه إلى السياحة الداخلية خاصة بتنظيم الرحلات الاستكشافية الترويجية التي ينظمها قطاعنا من أجل تشجيع وتسويق الوجهات السياحية المحلية، وهذا طبعا مع مراعاة البروتكول الصحي لتجنب أي تداعيات للفيروس على السواح.

هل يمكن الحديث عن “سياحة رقمية” في الجزائر أم أننا بعيدون عن هذا المفهوم حاليا؟

الرقمنة فرضت نفسها بقوة في عصر اليوم وهي تساهم بطريقة فعَالة في تطور ورقي النشاط السياحي بالجزائر، ونحن في الديوان خاصة والقطاع بشكل عام أصبحنا نلجأ بإستمرار وبصفة دائمة إلى استخدامها من خلال تدريب الكفاءات البشرية حتى تكتسب المهارات اللازمة للتحكم في تلك التقنيات الضرورية. 

هل يمكن أن تكون “الرقمنة”، “طوق نجاة” لإنقاذ قطاع السياحة في الجزائر من حالة الركود التي يعيشه منذ سنوات طويلة، بشهادة الفاعلين في الميدان، خاصة مع التوجه الاقتصادي الجديد للدولة الجزائرية؟

إننا نعمل اليوم على مواكبة العصر بطريقة إيجابية حتى تتمكن من تهيئة الشروط الملائمة لازدهار السياحة وتسهيل ولوج السوق السياحية الوطنية والدولية. 

إنه يمكننا الحديث عن سياحة رقمية من خلال وضع تطبيقات إلكترونية تساعد تنظيم الرحلات السياحية الافتراضية التي تتكيف مع الوضع الراهن، وكذلك يمكن أن تهيئنا لمرحلة ما بعد كوفيد19، كما يمكن أن يتم بالتنسيق مع قطاعات أخرى خاصة الثقافة بالنسبة للمتاحف والمواقع الاثارية وكذلك قطاع الغابات بالنسبة للزيارات داخل الحظائر الوطنية. 

“رئيس التجمع الجزائري للناشطين في الرقــميات” لـ”الوطن برس”:

جاهزون لمرافقة قــطـاع السياحة نحـــو الرقـــمنة

أبدى بدوره رئيس للتجمع الجزائري للناشطين في الرقميات، تاج الدين بشير، استعداد تكتله الرقمي، بأن يرافق الفاعلين في قطاع السياحية من أجل الولوج الى عالم الرقمنة، وقال في حوار مقتضب لـ “الوطن برس”، بأن الرقمنة في قطاع السياحة الجزائرية، أصبحت شيئا حتميا ونحن نشهد نقصا فادحا في هذا المجال على حد قوله.

هل يمكن القول أن “الرقمنة” من السبل الجديدة التي يمكن لها إنقاذ قطاع السياحة في الجزائر؟

الرقمنة في القطاع السياحي باتت شيء لابد منه، فنحن في سنة 2020 و القطاع يشهد نقصا فادحا في هذا المجال و هذا راجع لاستعمال أليات أصبحت بحكم العصر الرقمي الجديدة، بدائية مثل الفاكس و ما شابه ذلك، فالحلول الرقمية سوف تضع حدا  لعدة مشاكل و تحديات من بينها، القضاء على البيروقراطية التي تنهك القطاع بكل مكوناته من فنادق و وكالات سياحية، فضلا على أنها ستسهل وصول المعلومة في وقتها الآني للوصاية، ففي الوقت الحالي من يتحصل على المعلومة الصحيحة و في وقت  سريع هو من يستطيع ان يأخذ القرار السليم،  كما سوف تعين الوكالات السياحية على توسيع رقعة الانتشار وفتح اسواق جديدة، مع تسهيل تحركات السائح من خلال الحصول على الخدمات التي يطلبها، من حجز في الفنادق و واقتناء تذاكر السفر، في أي وقت يشاء دون أن ينتظر فتح أبواب الوكالة السياحية، فالرقمنة ستساهم بصفة عامة جذب السائح الأجنبي للجزائر، كما ستُسهل على الحصول على التأشيرة “e-visa”  بدون عناء للأفواج التي تريد زيارة بلدنا واكتشاف معالمها السياحية المتنوعة.

فيما تتمثل المشاريع التي جمعتكم من الفاعلين في قطاع السياحة؟

في التجمع هنالك مختصين في المجال تمكنوا من طرح حلول للوكالات السياحية منها منصات الحجوزات للفنادق والتذاكر وقريبا النقل والتأمينات.

ومن الاهداف الأساسية من هذا المشاريع كلها هي تقديم خدمة للسائح الجزائري والاجنبي لتسهل عليه زيارة الجزائر او العكس في أحسن الظروف وتوفير المعلومة اللازمة له لنمكنه من السفر بكل اريحية وخلق محتوى جزائري يعطي صورة جيدة لسياحتنا.

كيف يمكن أن يساهم التجمع الجزائري للناشطين في الرقميات في مساعدة الوكالات والشركات السياحية بالجزائر للولوج لعالم الرقمنة؟ 

نحن نسعى جميعا في “التجمع الجزائري للناشطين في الرقميات”، لتطوير حلول ذات مستوى عالمي لكل الفاعلين في القطاع السياحي لمساعدتهم على تذليل الصعوبات للترويج ببلدنا وجعله وجهة سياحية بامتياز وهذا بالدخول في الأنظمة الخارجية وهذا ما تسمح به التكنولوجية حاليا السياحة الإلكترونية، أو السياحة الرقمية.

  • روبورتاج : أحمد لعلاوي 
الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

7 + ثلاثة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق