الإقتصاد الأخضر بالجزائر..طريق غير معبد لتجاوز “عصر” الريع البترولي !

نظرا للوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي تمر به الجزائر منذ سنوات، بسبب معضلة تراجع عائدات النفط التي تآكلت بشكل سريع خلال السنوات الماضية وبسبب أخطبوط الفساد الذي جر عشرات من الرؤوس الى السجون،يتحدث خبراء ومختصون لـ”لوطن برس”، عن بديل يستطيع أن يُعوض الذهب الأسود في الجزائر  خاصة وأن أسعاره هذه الأيام، تشهد انهيارا حادا في الأسواق العالمية، بسبب فيروس كورونا، ويتمثل في  البديل حسب المختصين في نشاطات “الاقتصاد الأخضر”، فهل تستطيع هذه الاخيرة، أن تجعل الجزائر تتجاوز الريع البترولي، نحو فضاء اقتصادي أرحب؟

منذ الاستقلال شكل البترول مصدرا تقليديا مريحا لمداخيل الخزينة، لكنه في نفس الوقت كبل فرص الإقلاع الاقتصادي المتاحة، ورهن الجزائر بعائداته التي لم تراوح مكانها منذ سنوات بنسبة 98 بالمائة حسب الإحصائيات الرسمية.

البدائل الممكنة 

يبدو أن الدولة بدأت تفكر جديا في خلق بدائل اقتصادية دائمة، تدر أموالا على الخزينة العمومية وتحافظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد من جهة، وتصون الوضع البيئي من جهة أخرى، وتساهم كذلك بصفة تدريجية في تحقيق نسبة نمو اقتصادي خارج دائرة الريع البترولي.

فأحد أبرز البدائل الاقتصادية المتاحة والتي بدأت تأخذ حيزا متسارعا في السوق الوطنية خلال السنوات الأخيرة، نشاط رسكلة النفايات، الذي يراهن عليه ليكون تعويضا حقيقيا لمرحلة ما بعد البترول في الجزائر بمعية قطاعات أخرى (الفلاحة، الصناعة، الطاقات المتجددة… ).

عائدات مالية معتبرة يمكن أن تدرها نشاطات رسكلة النفايات على الخزينة العمومية، فضلا عن مناصب الشغل التي ستخلقها، خاصة مع ارتفاع منسوب البطالة الذي بلغ مليون ونصف مليون بطال، وفق أرقام الديوان الوطني للإحصاء في 2017 .

لكن تبقى الخدمة الأكبر التي يقدمها هذا النشاط للاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء هي تنقية المحيط والمحافظة على البيئة، من خلال إعادة تدوير النفايات التي تقدر بملايين الأطنان سنويا، وهي مرشحة للارتفاع أكثر مستقبلا، إذا لم يتم التخلص منها ضمن فضاء استثماري واعد يمكن له أن يخرج الجزائر من بلد ترتبط أغلب مداخليه بالذهب الأسود الى بلد يستمد عائداته المالية من نشاطات “الاقتصاد الأخضر”، التي ستساهم بدون أدنى شك في خلق الثروة والمحافظة على البيئة وتجسيد مخطط التنمية المستدامة الذي سطرته البلاد منذ 2001.

 التشريعات القانونية والبيئة ..حبر وورق !

للإجابة على هذا السؤال، يستوجب علينا الرجوع الى النصوص القانونية، التي أقرت بضرورة المحافظة على البيئة منذ الاستقلال، ولعل اهم القوانين التي أصدرت في هذا المجال، إٌقرار المادة 68 من الدستور المعدل خلال سنة 2016، بأن” للمواطن الحق في بيئة سليمة، تعمل الدولة على الحفاظ عليها”، وتبقى هذه الخطوة المهمة والصريحة في الدستور الجزائري، تندرج في إطار توجه تدريجي للبلاد نحو اقتصاد نظيف، يتم فيه مراعاة صحة المواطن والبيئة التي يعيش فيها.

 لم يكن دسترة موضوع البيئة وليد سنة 2016، بل جاء على خلفية تراكمات تشريعية، منذ الاستقلال كرست اهتمام الدولة بهذا القطاع الحساس، فقد تم إصدار عدة قوانين ومراسيم تقر فعليا بضرورة المحافظة على البيئة والقضاء على مختلف مسببات التلوث.

وجاء انضمام الجزائر إلى عدة إتفاقيات دولية تخص هذا المجال ليكرس فعليا التزاماتها المحلية والدولية بهذا التوجه منذ البداية.

فهناك عدة قوانين تدعو للمحافظة على البيئة وتحقيق مفهوم التنمية المستدامة، كالقانون المتعلق بتهيئة الإقليم والتنمية المستدامة الذي صدر في 2001 والذي يهدف للحفاظ على البيئة وتثمين مختلف الأنظمة البيئية، مكافحة أسباب النزوح الريفي وإنعاش المناطق المهمشة والمحافظة على الموارد الطبيعية المحدودة كالمياه والأرضي الفلاحية والتنوع البيئي،الصحة العمومية للسكان، هذا التوجه التشريعي للدولة سترافقه بلا شك آليات لتجسيده عبر جميع المستويات بما فيها المستوى الاقتصادي، من خلال فرض عقوبات صارمة على جميع المؤسسات والمصانع والنشاطات التي قد تتسبب في جرائم بيئة، تقرها العديد من القوانين سواء في قانون العقوبات أو القانون البحري أو قانون تسيير النفايات، وتصل عقوبتها في بعض الاحيان إلى الإعدام، ولم تكتفي السلطات الجزائرية بهذه القوانين الرادعة للتلوث بل  أرفقتها بمخطط وطني لتسيير النفايات الصناعية الذي تم إطلاقه سنة 2006، الذي يهدف إلى التقليل من التلوث وإعادة تثمين النفايات الصناعية، خاصة وأن بعض الإحصائيات تشير بأن نسبة استرجاع هذا النوع  من النفايات يتراوح بين 6 و7 من المائة فقط سنويا، وهو رقم ضئيل جدا بالمقارنة مع الدول الكبرى على غرار ألمانيا التي بلغت فيها نسبة رسكلة النفايات 99 بالمائة سنويا، رغم هذه الجهود تبقى الجزائر ضمن الدول التي تمتلك أعلى معدلات التلوث في العالم خاصة في المناطق الشمالية للبلاد، حسب تصنيف لمنظمة الصحة العالمية في سنة 2016، لكن مع ذلك تواصل السلطات العمومية جهودها في مكافحة التلوث والمخلفات بجميع أنواعها، حيث شجعت الشباب للدخول إلى عالم المقاولاتية من بوابة ميدان البيئة من خلال إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة في إطار الصندوق الوطني للتأمين على البطالة “كناك “والوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب “أونساج “، حيث تساهم نشاطاتها في المحافظة على المحيط وتقضي على التلوث وتشغل ألاف العمال وتساهم بشكل أو بأخر في الاقتصاد الوطني.

1000 مؤسسة تنشط في مجال البيئة

ينشط عدد معتبر من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في إطار ما يسمى”الاقتصاد الأخضر” على غرار “رسكلة النفايات” التي بلغ عددها حسب إحصائيات للوكالة الوطنية للنفايات، 1000 مؤسسة عبر الوطن، وتعمل هذه الأخيرة على الظفر بسوق غير مستغل بشكل فعال، لتقدر قيمته المالية بـ38 مليار دينار سنويا، وفق تقارير رسمية.

ويتوقع مختصون أن يكون هذا القطاع مصدرا غير تقليديا للخزينة العمومية بمعية قطاعات أخرى، لكن تبقى هذه المؤسسات تعاني من مشاكل جمة، على غرار نقص المادة الأولية، وكذلك عدم القدرة على تسويق منتجاتها.

*مخزون إحتياطي هائل ينتـظـر التثمين

في الوقت الذي تراجع فيه الحديث عن عصر “الاقتصاد الأسود”، الذي يقوم أساسا على استخدام الوقود الأحفوري كالفحم الحجري والبترول والغاز الطبيعي في إنتاج الطاقة، دون نسيان تأثيراته السلبية على البيئة، بات التوجه نحو الطاقات الجديدة والمتجددة من الحتميات الاقتصادية التي تسعى اليها مختلف الدول لتحقيقها، وتعتبر رسكلة النفايات، من بين أهم نشاطات “الاقتصاد الأخضر”، الذي يعتمد على مبدأ صيانة البيئة وتنقية المحيط من الملوثات الصلبة والسائلة، والتي بلغت كميتها في الجزائر أزيد من 94 مليون طن من النفايات في السنة الماضية، لذلك تسعى الدولة إلى تشجيع الاستثمار في هذا القطاع الحيوي والنظيف، وإعادة تثمين هذا الرقم المهول من النفايات، والتقليل من مخاطر التلوث والانبعاثات الكربونية، والرمي العشوائي للنفايات المنزلية والصناعية.

يقول المدير العام للوكالة الوطنية للنفايات كريم ومان، “بأن الاقتصاد الأخضر يعتبر نشاط اقتصادي أخضر، يهدف لخلق الثروة مع الحفاظ على البيئة”، وهذا الذي تسعى إليه مؤسسات رسكلة النفايات، التي تقوم بإنتاج مادة أولية عن طريق النفايات المنزلية، منَوهًا بأن كمية النفايات في الجزائر بلغت أزيد من 94 مليون طن خلال السنة الماضية من مختلف الأنواع، مثلت النفايات المنزلية منها أكثر من 5 مليون طن و2 بالمائة منها نفايات خطيرة على غرار النفايات الطبية 4 بالمائة نفايات خاصة، هذا وينتج الصناعيين الجزائريين حسب إحصائيات الرسمية، 325.100 طن من النفايات بكل أنواعها، 50 بالمائة منها قابلة للرسكلة إلا أن نسبة ضئيلة فقط يتم استغلالها.

واعتبر المتحدث، “أن كمية ما تنتجه الجزائر من نفايات هو مصدر مستدام للمادة الأولية، فإذا قمنا بفرز النفايات فسوف نسمح بخلق نشاطات اقتصادية واجتماعية متعددة، وهذا ما تسعى إليه مؤسسات “رسكلة النفايات”، خاصة مع إرتفاع نسبة النمو الديمغرافي في البلاد خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ عدد السكان أزيد من 40 مليون نسمة في سنة 2017، ما يعني إرتفاع منسوب الاستهلاك ورمي النفايات في نفس الوقت، فضلا عن ارتفاع عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة النشطة في مختلف المجالات التي بلغت حسب إحصائيات لوزارة العمل والتشغيل، 934.569 مؤسسة، منها 375460 مؤسسة صغيرة في إطار دعم لـ “كناك” ولـ”أونساج”في 6 سنوات (2010 -2016)، ورغم أن أرقام هذه المؤسسات الناشئة، تعكس بشكل واضح حرص الدولة على البحث عن بدائل اقتصادية حقيقية لمرحلة ما بعد البترول، من خلال حجم المؤسسات النشطة على المستوى الوطني في مختلف المجالات، إلا أن هذا سيؤدي بدون أدنى شك إلى إفراز نفايات كثيرة ومن مختلف الأصناف، لذلك راعت الدولة الجزائرية هذا الوضع وعملت على مرافقة هذه الديناميكية الديموغرافية والصناعية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، من خلال تشريعات وقوانين تحمي فيها البيئة وتحافظ على ثروات الطبيعية ومستقبل الأجيال المقبلة . 

تونيك..عملاق صناعة الورق الجزائر يواجه شبح الإفلاس!

الحديث عن رسكلة النفايات في الجزائر يُحيلنا بكل تأكيد إلى التطرق لأكبر مركب صناعي عمومي في البلاد يقوم على رسكلة نفايات الورق، وهو مركب “تونيك للصناعات “، هذه المؤسسة التي كانت تواجه شبح الإفلاس قبل 2011، تدخلت الدولة لإنقاذها من الزوال وسددت كل ديونها، لتنتقل ملكيتها من القطاع الخاص إلى القطاع العمومي.

هذه الخطوة تؤكد الاهتمام البالغ الذي توليه الدولة لمثل هذه المشاريع، خاصة التي تحافظ على البيئة وتنظف المحيط وتعيد رسكلة النفايات حتى وأن كانت مؤسسة خاصة، “تونيك” اليوم تعود إلى الواجهة وتستعيد مكانتها في أسواقها الضائعة خلال سنوات الإفلاس، بإعادة تدوير تقريبا ما نسبته 30 بالمائة من نفايات الورق على المستوى الوطني، أي بطاقة 220 ألف طن ورق استرجاع سنويا، من أصل 650 ألف طن يتم رميها في البلاد.

وحسب معلومات من المؤسسة، فإن هذه الأخيرة تسعى للرفع من أرقامها، لاسترجاع كمية من الورق تصل إلى 45 بالمائة، أي 450 ألف طن من نفايات الورق سنويا في أفاق 2022، هذا ويوظف المركب حاليا تقريبا أزيد 2700 ألف عامل، كما أن المؤسسة تزودها 330 مؤسسة صغيرة تنشط في جمع الورق على المستوى الوطني بالمادة الأولية التي تعتبر المعضلة التي تواجه المركب حسب ما أكده الرئيس المدير العام للمؤسسة مرزوق مصطفى في تصريحات سابقة.

“تونيك” تعمل اليوم بمعية مؤسسات أخرى ناشطة في ميدان رسكلة النفايات الورقية على تلبية احتياجات الطلب الوطني من الورق بمختلف أنواعه،على غرار الورق الصحي، ومختلف العلب الخاصة ببعض المواد الغذائية، وغيرها من المنتوجات المتعلقة بالورق والتي تصل إلى 11 نوعا من الورق يستعمل في مختلف المجالات، ولم تكتفي المؤسسة فقط بالعمل على تلبية الطلب الوطني بل تعدته إلى تصديرالمنتوج الوطني من رسكلة الورق، حيث تشير إحصائيات  المؤسسة إلى أن عائدات تصدير منتوجات “تونيك” إلى السوق الخارجية بلغت مليون أورو خلال السنوات الأولى من انقاذها من الإفلاس وهي في ارتفاع مستمر، وهي تساهم بطريقة وبأخرى في تقليص فاتورة الاستيراد، وتنظيف المحيط والبيئة من نفايات الورق، رغم أنها تواجه إشكالية تلويث مياه البحر من خلال مخلفاتها 11 مصنع  ينتمي إلى المركب في بلدية بوسماعيل، لذلك عملت على استحداث محطة للمياه المستعملة خلال 2017، أين يعاد رسكلتها هي الأخرى بنسبة 80 بالمائة، وليس هذا فقط بل تعمل المحطة على تشغيل 45 عامل في الوقت الحالي في منصب دائم.

رغم الأهمية الاقتصادية التي يكتسيها مصنع تونيك في السوق الوطنية، إلا أن عملاق صناعة الورق في الجزائر، يواجه شبح الإفلاس، على خلفية عدة مشاكل يتخبط فيها منذ أشهر.

“جي بي أس” لتعقب نقل النفايات بالعاصمة

على غرار النموذج الأول المتعلق بمؤسسة “تونيك” نتطرق إلى المؤسسة الثانية التي استحدثتها ولاية الجزائر، والمختصة بجمع النفايات ببلديات العاصمة، وهي مؤسسة “إكسترانت”، التي يقول عنها كريم بوثلجة مدير الدراسات والتطوير في المؤسسة أن المؤسسة توظف 5 ألاف و 285عامل، وتقوم بجمع مختلف النفايات المنزلية، عبر625 كلم مربع في 31 بلدية في ولاية الجزائر، وهي تتجه إلى توسيع رقعة تواجدها عبر كامل بلديات الولاية، وكشف المسؤول عن كمية النفايات المنزلية التي تم جمعها منذ بداية عمل المؤسسة إلى غاية سنة 2016، والتي بلغت 1487 ألف طن من النفايات، ويتوقع المتحدث أن يرتفع العدد مع نهاية السنة الجارية إلى 620 ألف طن من النفايات المنزلية التي يتم جمعها في العاصمة.

وفي رده على سؤال حول التوجه نحو إعادة رسكلة النفايات بدلا من جمعها فقط قال محدثنا” أن المؤسسة لها إستراتيجية عمل محكمة حيث تقوم بجمع العديد من المواد وفرزها لتقوم ببيع بعضها على غرار الورق لمؤسسة “تونيك”، لتكون عائداتها موجهة إلى خزينة المؤسسة، التي تتجه بصفة تدريجية نحو الاستقلال المالي، بنسبة تتراوح ما بين 25 إلى 30 بالمائة، وأوضح المتحدث في نفس السياق، أنه مادام هناك استهلاك ورمي للنفايات المنزلية فان المؤسسة ستعمل على إعادة تثمينها بمختلف الطرق، وكشف بوثلجة بأن المؤسسة تستعمل التكنلوجيات الحديثة في جمع النفايات، موضحا أن هناك صفحة عبر الفايسبوك مفتوحة على جميع مواطني ولاية الجزائر24 /24 ساعة، مع رقم أخضر يتم من خلالهما التبليغ عن تراكم النفايات في أحيائهم، فضلا عن استخدام نظام “جي بي أس” عبر مختلف شاحنات المؤسسة، المتابعة لنقل النفايات من داخل المؤسسة يمكن من خلاله تحديد آماكن تواجد الشاحنات والسرعة التي تسير بها، والمقدرة بـ80 كلم في الساعة، موضحا أن “مؤسستنا تعمل على تنظيف المحيط والبيئة ولن تكون سببا في حوادث الطرقات أو أشياء من هذا القبيل “، وهي مجندة ليل نهار بغية القضاء على انتشار النفايات المنزلية بجميع أحياء العاصمة.

ملاعب معشوشبة اصطناعيا من رسكلة المطاط

يقول عبد المالك صاحب مؤسسة “ذويبي لرسكلة المطاط” الأولى من نوعها في الجزائر، أنه تلقى كل الدعم والتشجيع من قبل السلطات المحلية ووزارة البيئة والصناعة بغية تجسيد مشروعه  في ولاية سطيف، يتحدث المسؤول عن مشروعه الذي إنطلق في العمل فعليا سنة 2015 بامكانياته الخاصة، ويتمثل نشاطه في جمع العجالات المطاطية بمختلف أنواعها عبر حرفي ولاية سطيف وفي مختلف الولايات، ليتم إعادة تدويرها في مصنعه، للحصول على مطاط مرسكل تتزود به مقاولات البناء المختصة في تفريش أرضيات الملاعب الجوارية والمعشوشبة إصطناعيا، وتقوم مؤسسة ذويبي التي توظف 25 عاملا بالتناوب، حسب صاحبها، بجمع ما قوامه 320 إلى 350 عجلة مطاطية يوميا على مستوى ولاية سطيف، أما سنويا فقد بلغت الكمية 6700 عجلة مطاطية سنة 2016، ويرى ذويبي أن نشاطه ليس تجاريا وربحيا مائة بالمائة، بل هو نشاط بيئي بالدرجة الأولى حيث يعمل على تنقية المحيط  من هذه النفايات التي يعتبرها خطيرة جدا، موضحا أن احتراق عجلة مطاطية واحدة تنتج نسبة كاربون عالية وهو ما يؤثر على البيئة وعلى صحة الإنسان بشكل مباشر، وفي إجابته على سؤال حول الصعوبات التي تواجها مؤسسته في الميدان يقول محدثنا أن “مجال استعمال المطاط ضيق جدا وبالتالي نحن نواجه مشكلة كبيرة في التسويق، لكن مع توجه الدولة المشجع على فتح مصانع للسيارات يمكن للمؤسسة أن تساهم في توفير المواد المطاطية التي تحتاجها مثل هذه الصناعات”.

أيادي ناعمة تروض”النفايات الصلبة” بالبيض !

ولم تقتصر عملية جميع النفايات ورسكلتها على عالم  الرجال فقط، بل اقتحم الجنس الناعم الميدان أيضا من خلال العديد من المشاريع التي تم إنشائها في السنوات الأخيرة، وتعتبر السيدة كريم رشيدة، نموذج للمرأة التي اقتحمت مجالا لطالما كان مقتصرا على الرجال، وأصبحت مؤسسة هذه السيدة بولاية البيض محل إشادة من الجميع لقدرة مشروعها الذي أنشأته سنة 2014، والمسمى بـ”  Krim Plastiquo”،على القيام بعدة نشاطات في مجال الرسكلة على غرار جمع وفرز مختلف النفايات، سواء (البلاستيك أو النحاس أو الحديد وغيرها من المواد) ثم تقوم بإعادة بيعها لمختلف المؤسسات، وتقول المتحدثة أنها تجمع 15 طن و60 كلغ من هذه المواد سنويا، وتشغل قرابة 25 عامل بشكل مؤقت، ولم تكتفي صاحبة الجائزة الثانية في المسابقة الوطنية للمقاولة النسوية ” المرأة تنشيء ” في فيفري الماضي، بهذا فقط بل مكنتها خبرتها الطويلة كمختصة في فرز النفايات، بأن تعمل على تطوير مشروعها حيث تفكر بعد أن إقتنت مؤسستها آلات لتدوير البلاستيك، بتنويع مجال استثمارها والقيام بإنتاج مادة أولية بعد إعادة التدوير، وإقتحام مجال التصدير إلى الخارج، خاصة بعد نجاح تجربتها الأولى في تصدير كميات معتبرة من النفايات إلى إسبانيا، وهو ما شجعها حسب قولها إلى إعادة المحاولة مجددا لكن بمادة جيدة وقابلة للمنافسة وبعائدات أفضل، ورغم إيمان السيدة كريم بأن هذا النوع من النشاط الاقتصادي سيكون له مستقبل واعد في الجزائر، إلا أنها تتخبط في بعض الصعوبات على غرار إنخفاض سعر المواد التي تقوم بجمعها وفرزها ثم بيعها على خلفية المنافسة الشديدة من مختلف المؤسسات النشطة في المجال، وأبانت السيدة كريم إيمانا منقطع النظير بمشروعها حيث تقول أنها في بعض الأحيان هي التي تقوم بكل شيء (الجمع والفرز والرسكلة، والنقل) لأن هذا المجال حسبها واعد لكنه يحتاج فقط إلى مزيد من الجهد والصبر حتى يتحقق النجاح .

نحو توفير مليون ونصف منـصب شغــل

في مقارنة بسيطة بين الإحصائيات الرسمية الأخيرة التي قدمها الديوان الوطني للإحصاء سنة 2017، حول نسبة البطالة في الجزائر التي بلغت مليون ونصف مليون بطال، وبين دراسة أجرتها الوكالة الوطنية للتعاون من أجل التنمية قبل سنوات، والتي تؤكد فيها بأنه من الممكن استحداث 4. 1 مليون منصب شغل بالجزائر في أفق 2025 في نشاطات متعلقة بالاقتصاد الأخضر، نجد أن الاستثمار الجيد في هذا القطاع سيؤدي بدون أدنى وبشكل إلى القضاء على البطالة التي بلغت مستويات مرتفعة خلال السنوات الأخيرة، وبحسب الدراسة نفسها حول “قابلية التشغيل و المقاولة للشباب و النساء في مجال الاقتصاد الأخضر بالجزائر”، فإنّ تقييم قدرة تطوير الشغل في ظل هذا التصور الجديد للاقتصاد في أفق 2025 يقدر بـ1.421.619 منصب شغل، ويشير نفس المصدر إلى حوالي 600 ألف شخص (رجال ونساء ) بالجزائر يعملون حاليا في نشاطات متعلقة بالاقتصاد الأخضر على غرار رسكلة النفايات المنزلية والفلاحة و الطاقات المتجددة، والأكيد أن هذه النشاطات يمكن لها أن تحقق نسبة نمو مرتفعة في الاقتصاد الوطني، إن توفرت المكانزمات المطلوبة سواء الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية، من أجل تحقيق الهدف الأسمى، وهو تخفيض نسبة ارتباط الجزائر بعائدات الذهب الأسود.

عبد المالك سراي: الاقتصاد الأخضر سيخرج البلاد من التبعية للنفط

من جهته يعتقد الخبير الاقتصادي عبد المالك سراي، أن قطاع رسكلة النفايات يدخل ضمن إطار ما يسمى بالاقتصاد الأخضر، يمكن أن يساهم في إخراج الجزائر من دائرة التبعية للنفط بالموازاة مع قطاعات أخرى فاعلة كالفلاحة والصناعة الطاقات المتجددة، مؤكدا أن هذه المساهمة لن تكون بين ليلة وضحاها، بل يحتاج الأمر إلى سنوات من العمل، حيث يستوجب توفير جميع الشروط الضرورية لذلك، مثل النصوص القانونية المشجعة على الاستثمار في قطاع رسكلة النفايات وغيرها من القطاعات المرتبطة بالبيئة، فضلا عن العمل وفق إستراتيجية وطنية محكمة لتجسيد المشاريع ، وعلى هذا الأساس يقول الخبير يمكن الحديث عن مساهمته الفعالة في الاقتصاد الوطني، موضحا في نفس السياق أن المساهمة الحالية لقطاع رسكلة النفايات في القطاع الاقتصادي ضيئلة جدا بالمقارنة مع دول أخرى تقوم على رسكلة كل نفايتها على غرار السويد، ورجح سراي بأن يكون لهذه الأنشطة المتعلقة بالبيئة دور كبير في الاقتصاد الوطني، خلال الـ10 السنوات المقبلة، مثلما حدث في العديد من الدول في أسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، ولتشجيع الاستثمار في قطاع رسكلة النفايات قال سراي أنه يستوجب على الدولة أن تسهل الإجراءات الجبائية والتي من شأنها أن تؤدي إلى رفع عدد المؤسسات الناشطة في هذا المجال والذي سيؤدي بدوره إلى خلق مناصب شغل والقضاء على البطالة، وفي إجابته على سؤال قدرة هذه “النشاطات الخضراء” في تخفيض فاتورة الاستيراد لبعض المنتوجات من خلال إعادة رسكلة النفايات، قال الخبير الاقتصادي، “بالتأكيد ستساهم في تخفيض الفاتورة، وتحافظ على صحة الجزائريين والبيئة التي يعيشون فيها”.

 ربورتاج : أحمد لعلاوي                              

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 − 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق