عبد الكريم قادري”يحفر”في بنائية ودلالة السينما الشعرية

أصدر الكاتب والناقد السينمائي الجزائري، عبد الكريم قادري، قبل أيام، مؤلفا جديدا تحت عنوان:” السينما الشعرية ..أسئلة البناء والدلالة “، عن السلسلة المعرفية من مهرجان أفلام السعودية، بالتعاون مع دار رشم للنشر والتوزيع، حيث عالج فيه قضية الشعرية في الفن السابع، الذي إعتبره مصطلحا غير مفهوم في المدونة النقدية العربية.
وجاء في غلاف الكتاب الموزع عبر 160 صفحة من الحجم المتوسط أنه : ” من الصعب ضبط مفهوم “الشعرية” في سياق نقدي جازم، أو حصرها ضمن قاعدة أو قالب معين، لأنها هلامية بلا شكل قار، وانسيابية مثل جدول يشق منحدر، متقلبة ومتغيرة ومتحركة حسب كل حركة أو تيار سينمائي، كل فئة تقرأها او تفسرها أو توظفها انطلاقا من حسها الجمالي ومنطلقها الفكري وسياقها الزامكاني، لكن الكل وإن اختلفوا في التفاصيل، فإنهم اتفقوا على جماليتها الطاغية ونقاء مشاهدها وقربها من القلب ووجدان الانسان، لأنها تملك القدرة السحرية على التسلل الى ذائقة المُتلقي دون أن تدق بابه وتستقر في أعماقه لتصبح جزء من ذاكرته، بعد أن تنقش على جدران عواطفه منحوتات لا تُمحى ولا يُغيرها الزمن، لتبقى وثيقة بصرية تضبط حلما كان يراوده فتحقق له، أو أمنية بصرية أُعيد تشكيلها من جديد ليراها تتراقص أمامه ” .
وأضاف أن الشعرية في مجال السينما بمثابة ” الريشة التي يداعب بها الفنان لوحته البيضاء، وتلك الكلمات التي يسوقها الشاعر ليعبر بها عن حالة وجدانية، وتلك الأوتار التي يخلق بها الملحن ما يبهج الأسماع، وتلك التنهيدة التي يخرجها المُشاهد فور خروجه من قاعة السينما، هي الريشة والكلمات والاوتار واللحن والتنهيدة، وكل الحالات التي تخلق الجمال الخالد الذي يحرك المياه الراكدة ويرسلها عبر الجداول والمجاري لتروي العالم وتساهم في نمائه” .
ولخص المؤلف كتابه بالقول بأنه “رغم مرور أكثر من قرن وربع على ولادة السينما، غير أن هذا الفن لا يزال حديثا اذ ما تمت مقارنته بالفنون والآداب الاخرى، لهذا لم يتم اكتشاف العديد من جوانبه وعناصر بنائه المختلفة، ولم يجد بعد مدوّنة نقدية تستخرج جمالياته الظاهرة والخفية، أو آليات تفكّك عناصره وتعيد تركيبها كما ينبغي، ليفهما المتلقّي حتى يصل للذّته القصوى التي يصبو لها، ورغم هذه المسايرة غير المكتملة، غير أن هناك بعض الدراسات التي استطاعت ان تواكب بعض هذه الجوانب وتحللها وفقا للسياق المعرفي، لكنه يبقى هذا الجهد غير كاف، نظرا لما وصلت له السينما حاليا، وما أصبح عليه تأثير الفيلم بين الجمهور.
ولقد إنعكست في السينما، منذ بدايتها، العديد من المدارس والتيارات الفكرية والجمالية والأيديولوجية، ما إن يخبوا توجها حتى يظهر اخر على أنقاضه، لكن “السينما الشعرية” لم تذبل ازهارها مطلقا، تسللت بينها، واخذت منها، واستفادت بمعطياتها حتى تبقى في كامل ألقها وتوهجها، لكن ما زال هذا المصطلح غير مفهوم في المدونة النقدية العربية، ولقد جاء هذا الكتاب ليفصّل فيه، ويسبر أعماقه واتجاهاته، انطلاقا من أرسطو، ومرورا بالمناهج النقدية الغربية، وانتهاء بالترجمات والدراسات العربية التي اختلفت فيه، لأنه مفهوم هلامي يصعب القبض عليه، متشظي ومتداخل، تتناسل منه العديد من المفاهيم الأخرى، مثل: “الشاعرية” و”البوطيقا” و”سينما الشعر” و”سينما القصيدة”..وغيرها من المصطلحات التي تلتقي معه في جانب، وتختلف في جوانب أخرى، ولقد تم التطرق لها وتحليلها نقديا.
وقد ركّز هذا الكتاب، وبشكل واسع، على مصطلح “الشعرية” الذي تم توظيفه كمفهوم جمالي، والوقوف على إنعكاساته في الفيلم، لهذا تم التطرق الى موجودات “الكادر” السينمائي، وطرق ضبطه لتوليد الشعرية، وتم الإستئناس بالمنطلقات الفكرية والفلسفية التي تساهم في تأثيث حقول الرؤيا البصرية والمعنوية، اضافة الى التطرق الى عناصر مهمة أخرى تساعد في توليد هذه الشعرية، مثل المونتاج والإيقاع والتصوير، وهي مرتكزات تجسد الشعرية، وتجعلها كقيمة جمالية وحضارية في نفس الوقت.
أما من الجانب التطبيقي، فقد تم التطرق الى بعض التجارب المهمة التي عكست هذا المفهوم، من بينها تجربة أندريه تاركفسي المهمة والرائدة، وهو مخرج لم يكتفي بتوظيف هذا التوجه في افلامه فقط، بل نظّر له عن طريق الكتابة، ليصبح مع الوقت أعمق من جسّد مفهوم الشعرية، اضافة الى تحليل بعض الأفلام المهمة باستخراج شعريتها، مثل أفلام: “نوستالجيا” و”المرآة” لتاركفسكي، و”عن الأبدية” لأندرسون، و”هلاوس” لكوروساوا، و”الختم السابع” لبريجمان، وهي نماذج سينمائية جسدت هذا المصطلح من الناحية الجمالية والمعرفية.
ويعتبر عبد الكريم قادري، من الكتاب والنقاد السينمائيين الجزائريين البارزين الذين لديهم إهتمام كبير بمجال النقد والتحليل السينمائي، حيث نشر العديد من المقالات والدراسات السينمائية في الكثير من المجلات والجرائد والمواقع الدولية، كما حاضر وحكّم في العديد من مهرجانات السينما، من بينهما “أيام قرطاج السينمائية”، “مهرجان وجدة للفيلم المغاربي”، “مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوروبية”، “مهرجان الفيلم المتوّج”…إلخ.
وقد صدر لذات الناقد، العديد من الكتب، من بينها: “سينما الشعر/ جدليّة اللغة والسيميولوجيا في السينما” عن منشورات المتوسط بإيطاليا 2016، و”سينما الرؤى/ قراءات ودراسات في السينما العربية” عن منشورات مهرجان وهران للفيلم العربي 2017، و”السينما الشعرية/ أسئلة البناء والدلالة” عن مهرجان أفلام السعودية 2022.