كليشيهات المرأة في السينما الجزائرية..آفاق جديد للفهم والتأويل !

ناقش أمس الباحث الأكاديمي طارق عامر، رسالة الدكتوراه بجامعة الجزائر 3، وحاز الطالب على تقدير مشرف جدا من لجنة المناقشة مع الإشادة بالبحث الجاد الذي قام به فضلا عن الخلفية المعرفية والتحليلية التي حاول تجسديها في بحثه و الموسوم بـ : “صورة المرأة في السينما الجزائرية”، وقد إنتصر عامر للسينما وأدواتها من خلال معالجة فيلمي “الوهراني”، المثير للجدل لمخرجه إلياس سالم، و” ما وراء المرآة “، للمخرجة والأستاذة الجامعية نادية شرابي، موضحا بأن ثيمة البحث التي تم تناولها هي” السينما و المرأة ” معتبرا بأن هذه الأخيرة من الموضوعات المستهلكة كليشيهات وموضوع فيلمي متداول، لكن يمكن دراستها بزاوية أدوات السينما وليس شيء آخر .
السينما و السيميولوجيا .. إشكاليات قائمة بمقاربات عابرة للتخصص !
يقول أستاذ علوم الاعلام والإتصال في جامعة وهران في ملخص أطروحته بأن العديد من الباحثين “لم ينتبهوا لخصوصية السينما وهو ما جعل هذه الأخيرة محاصرة بمفاهيم قادمة من علوم أخرى وهو ما يميزها في تركيبها البصري وتشكيلها لصورة المرأة وجعلت جل الدراسات لهذا الوسيط تقع في فخ الإنطباعات واللاعلمية في فهمها لذا انطلقت الدراسة لفهم السينما فعلا كيف تفكر؟”.
وأضاف الباحث بأن العديد من المختصين يربطون ” اللقطة بالجملة وهي أقدم المقاربات المسكونة باللغة و اللسانيات ، فكيف للسينما أن لا تستقل بأدواتها وتبقى تابعة للسانيات “؟ وكيف يمكن فهم خطاب المرأة ضمن الفيلم هو نفسه؟ “فمقاربة الكلمة باللقطة وتركيبها ليعطي مشهد ، والكلمة جملة ، مقاربة قاصرة ، ويكفي فقط الإستدلال على أفلام اللقطة الواحدة التي يمكن كتابة كتاب كامل عن الفيلم وتصبح اللقطة مساوية للفيلم تماما ، أيضا الخطاب هو لساني المنزوع جعلنا نفهم كل بصري بتحويله خطاب ودراسته ولم نفهم السينما والسمعي البصري بما هو “لغة” خاصة لا تنتمي للغات الطبيعية، المشكل الثاني هو مقاربة السينما بالفوتوغرافيا، أي التخلي على أهم هوية للسينما وإحضاعها للدال والمدلول وللتعيين والتضمين وفهم السينما بهذه الانطباعية جعلتنا نحولها لاراء وانطباعات ذاتية وقتلنا السرد بالسينما وفق المقولة ” كل ما كان هناك ثبات كان هناك وصف وكل ما كان هناك حركة كان هناك سرد ” الفوتوغرافيا هي الثبات هي الوصف والتعيين والتضمين أما الحركة والسينما فالسرد لتحكي قصة وفق آليات سواء فيلمية او سينمائية ، فكيف نقارب الفوتوغرافيا بالسينما ؟ فالصورة السينمائية تملك 24 صورة في الثانية في الوضع العادي فقط ، ومنهجيا كيف نبرر إخيتار صورة من ضمن الـ24 صورة وعلى أي اساس نوقفها وندرسها ، هنا يتضح لنا أن منهج بارث للتحليل قاصر ولايمكنه فهم السينما وحتى أن النقاد وصفوه بـ ” مصاب برهاب السينما” .
“الدال والمدلول” في السينما .. رولان بارث في مواجهة المونتاج والكادرات المفتوحة !
في الجانب المنهجي يستعرض الباحث ذلك الإختلاف الواضح لمجال سينما والسمعي البصري من جهة والكتابة والتدوين من جهة أخرى خاصة على المستوى السيميولوجي، فيقول في ملخص الدراسة أن ” الدال والمدلول سيختفيان تماما في البصري بل يتطابقان وهذا ما إنتبه له كرستيان ماتز نفسه ، حيث أننا عندما نرى شجرة في التلفزيون هي نفسه لكل الذين رؤوها ، وليست كمن يرسمها في ذهنه فقد تكون طويلة قصيرة ، مثمرة الى غير ذلك ، ووضحنا مخاطر استخدام الدال والمدلول في السينما ، كيف ندرس السينما الأن؟.
ففي الوضع العادي البسيط يقول الأستاذ طارق “يأتي المعنى الى السينما عن طريق التوليف أو المونتاج وليس الدل على تجربة موسجوكين ، علما ان الرؤية السينمائية الشكلية الروسية كانت مستفيدة من إنجازات غريفث مكتشف المونتاج وأبحاثتهم لم تكن تبحث عن المعنى مباشرة ،بل عن الاحساس المتولد عنها ، مما جعل ايزنشتاين يكتب كتاب :الاحساس السينمائي ، وفي التطور للسينما جاء أسلوب اللقطة الطويلة واللامونتاج لينتج معنى آخر في داخل اللقطة عبر تقنية عمق المجال مع بازان وغودار وهيتشكوك ، فالمونتاج وضده ليس اللامونتاج كما فهمت بل هو الصوت في الثنائيات ، ثم السرد السينمائي والذي يتم عبر تربط اللقطات أو اللقطة في ذاتها انها تشبه سلسلة خطية تركيبة او في داخل اللقطة الواحدة ” الكل السينمائي ” وهو الزمن في السينما فالسينما عبر المتعدد الكادر كتقنية وأسلوب للسينما الحديثة.
فيلما “الوهراني” و”ما وراء المرآة” ..حضور مختلف للمرأة !
ويعتبر طارق عامر، أن الأفكار التي تطرق إليها في موضوعه بأنها تؤسس لفهم السينما وكيف تفكر أولا ثم تأتي مرحلة كيف نفهمها من خلال الأفلام المعالجة، لذلك حاولنا في الدراسة أن نفهم التشكل البصري سينمائيا من خلال فيلمي ” الوهراني ” لمخرجه إلياس سالم و” ماوراء المرآة ” لمخرجته نادية لعبيدي شرابي مطبقين مختلف المقاربات لسيمولوجيا السينما ومدى ملائمتها للموضوع السينمائي حيث طبقنا مقاربة ” كريستيان ماتز ” ، وطبقنا مقاربة بيير باولو باوزوليني حول اللقطة الشاعرية المتوفرة في فيلم ” ماوراء المرآة ” ومقاربة سيميائيات دولوز حول السرد وأيضا ، لنجد العديد من المفاهيم التي إستخدمها ” الفيلمين ” معا لتوصيل الصورة الكريستالية كنقيض لمفهوم التمثل الذي يساعد في رسم صورة خطية ، فحاول فيلم ” ماوراء المرآة ” أن تٌخرج المرأة كحضور وكشخصية رئيسية في كل الفيلم ومن هنا إنعكست على تيمة الفيلم كمكشوف مباشرة موضوعه المرأة ووضحنا قربها من افلام غودار التي اتهمت الرجل ودفعت به لاقصى حد ذكوريا لتتشكل جماليات الإخراج في المونتاج والتتابع والكادر مع محاولات خرق السرد الموضوعي بين الشخصيات ، و اظهرت أن السينما هي إنعكاس للواقع وحتى أنها قصص مقتبسة عن واقع لمعنفات وغيرها أي أنها إستخدمت تفليم الواقع أو بتعبير آخر هي اللامرئي الإجتماعي حولته الى مرئي سينمائي عكست أسلوب روسي مونتاجي “.
وأضاف بأن فيلم ” الوهراني ” جاء محافظا على المكان والزمان وتكوين مشاهد تبدو أكثر طبيعية تضمنها اللقطة الطويلة التي تحافظ على المكان والزمان أكثر وتقليل من المونتاج عبر إختيار الصوت /السمعي البصري أكثر لتجسيد الجمالية السينمائية إخراجيا ، وهنا هو يرفض أن تكون هناك علاقة بالوثيقة التاريخية ” التاريخ ” لإن السينما تتجاوز التاريخ وليست مهمتها إنتاج التاريخ مرئيا ، بل هي تعبيرية وفنية أكثر وفق أسلوب سينمائي ورؤية إلى العالم وإخراجيته للمرأة كغياب لكنها محرك سردي قوي في الفيلم مع صنع التخييل السينمائي عبر آليات الخارج كادر والكادر النافذة”.
وتضمنت لجنة المناقشة كل من الأستاذة عواطف زراري رئيسا، والأستاذة دالي خيلية مشرفا ومقررا، فضلا عن الاساتذة بوصابة عبد النور، كلفاح امينة المناقش، شاوش جمال، مناقشين لأطروحة، وبعد إستفاء عملية النقاش أثنى الأساتذة على النظرة المتميزة التي عالج بها الباحث موضوع الفيلمين عكست تحكمه الكبير في الموضوع يتناقض تماما لما هو معتاد ومتداول في البحوث والدراسات خاصة في مجال سميلوجيا السينما .