الذكاء الاصطناعي والأفلام .. أي دور للخوارزميات في صناعة مستقبل السينما الجزائرية؟

من منا كجزائريين، لم يُشاهد أو يسمع عن الأفلام العالمية الشهيرة، على غرار (1999 Matrix The)، (2009Avatar )    (2010 Inception)..إلخ ، هذه الأعمال السينمائية أثارت كثيرا إعجاب الجماهير سواء في بلادنا وفي مختلف أنحاء العالم، كما أنها حصّلت عائدات وإيرادات مالية  ضخمة و حصدت جوائز كبيرة و عالمية، فمثل هذه الانتاجات السينمائية غير العادية، فتحت الكثير من التساؤلات في ذهن المشاهدين حول “التقنيات” التي إستخدمت لإنتاج هذه التحف الفنية المبهرة، والتي تبدو جلية بأنها لا تشبه التقانية التقليدية المستخدمة في الأفلام التي اعتادوا مشاهدتها .. اليوم وفي ظل إستخدام  شريحة واسعة من الاشخاص  لأبسط برامج الذكاء الاصطناعي على غرار ” chatgpt”، سيُجيب و لو بقليل على الاستفهامات التي طبعت عقول المشاهدين في السابق ويكشف عن مدى تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات بما فيها قطاع السينما، لكن ماذا عن تأثير هذه التكنولوجيات الجديدة على مستقبل السينما الجزائرية ؟

في البدء.. أي هوية للسينما الجزائرية ؟

كثيرا ما يطرح المهتمين في السنيما بالجزائر سواء من الأكاديميين أو المشتغلين في حقل هذا الفن، سؤالا يبدو جوهريا لكنه لا يُتطرق إليه كثيرا وهو: أي هوية للسينما الجزائرية ؟، بمعنى  آخر هل “الموضوع” هو الذي يُشكل هذه الهوية ؟ أم “التقنيات المستعملة”، وإذا لم تكن هذه الاخيرة فهل “الممثلين” ؟، هذه الإشكالية اليوم تصطّدم بتقنيات تكنولوجية جديدة مثل الذكاء الاصطناعي، لكن يرفض من خلالها الدكتور “طارق عامر” من قسم علوم الاعلام والاتصال بجامعة وهران، الحديث عن هذه التقنيات الحديثة دون التطرق إلى فكرة “الهوية السينمائية” بالجزائر، فهو يقول بأن طرح مثل هذه الأسئلة الاساسية يورّطنا في حقيقة أن السينما لا تكتسب هويتها لا من خلال الممثلين ولا التقنيات التي هي تقنيات عالمية ، ولا بالموضوع، بل من خلال “الإخراج” الذي يعتبر المحك الحقيقي لأي هوية سينمائية في العالم .

لتجاوز هذه “الإشكالية” يرى الأستاذ الجامعي عامر طارق في تصريح لـ”الوطن برس”، “بأن السينما الجزائرية يمكن أن تعتمد على الإخراج الطبيعي كميزة تؤثث لهويتها، كما سيجنبها إرتفاع تكلفة الانتاج العالية ومعضلة التمويل أيضا، فالتمويل هو عائق يواجه السينمائيين على الدوام، لذلك دعا عامر إلى “التفكير بالمنطق الإقتصادي قبل كل شيء في عملية الانتاج السينمائي، متسائلا : لماذا أموّل فيلما ولا أستفيد منه اقتصاديا قبل الفكرة الأيديولوجية التي تحملها جميع الأفلام السينمائية ؟، مؤكدا في ذات السياق : ” أن صناعة السينما قائمة على الاقتصاد والتمويل من أجل كسب فوائد وأرباح اقتصادية أكثر من عملية الإنتاج، ” و أكيد أنه عندما نتوجه إلى “الفضاء الطبيعي الجزائري”  و الذي شكّل بدوره منذ نشأة السينما، أستوديو للكثير من الأفلام العالمية التي صورت هنا، فالإضاءة الطبيعية -حسبه- تقلل من تكلفة التمويل وتساهم بدورها في التخلي عن العديد من المعدات في عملية الإنتاج”، فالرهان الحقيقي كما يراه الأستاذ طارق عامر المتخصص في “السينما والسيمولوجيا”، هو توجيه السينما نحو الطبيعة الجزائرية ذات الفضاءات الحقيقة، من أجل العودة للساحة للعالمية و اقتناص الجوائز في مختلف المهرجانات”.. إذا كان الأستاذ “عامر طارق” يطرح فكرة الاخراج الطبيعي من أجل تشكيل هوية جزائرية فريدة في الفن السابع، فأي مستقبل لهذا الفن في الجزائر أمام متغيّرات تقنية جديدة على غرار الذكاء الاصطناعي الذي أثار الكثير من التخوفات لدى السينمائيين الجزائريين ومختلف الأستوديو هات العالمية ؟

مخاوف إنسانية في مواجهة آلات من دون أحاسيس !

لا تختلف هواجس بعض السينمائيين الجزائريين، عن مخاوف أقرانهم في العالم حول التداعيات السلبية لتقنيات الذكاء الاصطناعي على الصناعة السينمائية خاصة الأفلام الرواية الضخمة، التي تحتاج إلى “جيش”  من الفنيين والتقنيين لاستكمال عملية الانتاج، حيث يروّن أن وظائفهم مهددة في الوقت الذين كانت الأمس تُشكّل لبنة مهمة في عملية الإنتاج السينمائي، في هذه النقطة لم يخفى المخرج الشاب عصام تاعشيت، تخوفاته من انعكاسات استعمال الذكاء الاصطناعي في الصناعة السينمائية، موضحا في لقاء مع “الوطن برس”: “صحيح أن هناك تخوف كبير من طرف المهنيين من تعويض بعض المهن السينمائية ببرامج الذكاء الاصطناعي، متوقعا : “حدوث خلل في جميع مراحل الانتاج السينمائي، فهذه البرامج برأيه ستقدم لنا سيناريوهات أفلام جاهزة، خالية من الروح خالية من الأحاسيس، وهذا ما يعتبره خطيرا جدا”، مؤكدا في نفس السياق : “لا يمكن  نستبدل الانسان المبدع بالبرامج الذكية، فهذا تهديد لخصوصية الإنسان والعملية الابداعية التي يتميز بها”، تعاشيت ذهب أبعد من العملية الانتاجية وتحدّث عن تأثيرات هذه التقنيات حتى على الجمهور المستقبل لهذه الاعمال الفنية، موضحا بأن : ” عملية التأثير لن تمس الجانب الانتاجي للفيلم فقط بل ستنتقل  حتى إلى المشاهد ودوره في الصناعة السينمائية بإعتباره المستهدف من كل هذه العملية”.

أي دور للممثل في عمليات الانتاج السينمائي بالذكاء الاصطناعي ؟، يجيب المخرج والممثل تاعشيت عن هذا السؤال الذي يهم شريحة واسعة من الممثلين في الجزائر قائلا : “للأسف مهنة التمثيل ستتأثر بهذه البرامج والتقنيات الجديدة، فهناك برامج يتم تطوير حاليا تعمل على التخلي على الممثلين والشخصيات في صناعة الأفلام، فمثلا توجد أستوديوهات طوّرت برامج ذكاء اصطناعي تبدو واقعية بشكل مذهل، حيث يمكن لها أن تقوم بكتابة صفات و شكل الشخصية التي يريدها المخرج وتقوم أيضا بإدارتها كيفما شاء المنتج و تحت أي كادر للكاميرا الذي يريده”، يضيف تاعشيت، ” صراحة أستقبل هذه التقنيات الجديدة بكثير من التوجس، حيث تمهد لأشياء لا نعرف أين ستقودنا مستقبلا”، قبل أن يستدرك، ” لكن أظن أن هذه التكنولوجيا نحتاجها في العمل السينمائي لكن ليس بذلك القدر الذي تلغي دور الإنسان، فهذه التقنيات يجب أن تكون مساعدة له  لا أن تلغيه، يمكن ان نستعملها مثلا في المشاهد المختلفة ما لكن لا يجب أن نتخلى عن الدور الحقيقي للممثلين”.

في الجزائر ليس ممتهني التمثيل فقط من يتقاسمون نفس التخوفات مع “تاعشيت”، بل هناك  العديد من أصحاب الوظائف التقنية والفنية الذين يعيشون نفس الهواجس، حيث يرى العديد من المخرجين والكتاب، و أصحاب شركات الانتاج ..إلخ، أن الذكاء الاصطناعي يُهدد العديد من الوظائف، فهذه التقنيات المستعملة تتدخل في مختلف مراحل الانتاج السينمائي من فكرة كتابة السيناريو، مرورا بالتقطيع الفيلمي، المؤثرات الصوتية، شكل الممثلين، إلى الاخراج وحتى التسويق، رغم ذلك يراها بعض المتفائلين بأنها تفتح آفاقا لحلول معضلات تقنية كثيرة كانت مستعصية الحل في عمليات الانتاج الكلاسيكية.

الفيلم السينمائي القصير.. من عزوف الجمهور إلى تحدي الخوارزميات !

من بين الأفلام السينمائية التي يُشكل الذكاء الاصطناعي تحديا كبيرا بالنسبة لها، فهي عكس الأفلام الروائية أو حتى الوثائقية، قليلة التكلفة، وصغر فضاءات الانتاج، وصغر تعداد الممثلين ، و كذلك محدودية المعدات، فهي معروفة بأنها لا تستقطب الكثير من الجماهير، فهذه الإشكالية القائمة بالنسبة للأفلام القصيرة أصبحت مكرسة واقعيا، فهل يُمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تعطي حلولا حقيقية لتجاوز معضلة عزوف الجمهور مثلا، هنا يرى محافظ مهرجان “إيمدغاسن” الدولي للفيلم القصير عصام تاعشيت، أن : “الأفلام السينمائية القصيرة، على العموم لا تحتاج الى ميزانية ضخمة كالفيلم الطويل، فلربما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يمنح انطلاقة جديدة لهذه الأعمال الفنية، حيث يأمل المتحدث أن تساهم هذه التقنيات الجديدة في تخفيف وطأة عزوف الجماهير عن هكذا النوع من الأفلام”، كما  يمكن لها أن تساعد المخرجين في تسويق أعمالهم من خلال إستغلال الخوارزميات والبرامج المعدة لعذا الغرض، وهنا يُصبح دور الآلة إيجابي بالنسبة لعمية الانتاج والوصول إلى الجماهير، وهنا يكمن ذكاء الانسان على الذكاء الاصطناعي” .

أفلام وثائقية.. بين الضرورة التكنولوجية و الأخلاقيات ؟

يرى بعض المتفائلين من الشباب المخرجين  بالجزائر، أن تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن لها أن تقديم الاضافة المرجوة في عملية الإنتاج السينمائي، في مختلف المراحل، لكن في بعض الاحيان تطرح إشكاليات على أكثر من صعيد خاصة على مستوى الأخلاقيات بالنسبة للأفلام الوثائقية، حيث يروي في هذه النقطة، المخرج والمنتج الشاب “محمد والي” خلال تصريح لـ “الوطن برس”، تجربته مع استخدامه لبعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي  قائلا : ” لقد حاولت أن أستثمر الذكاء الاصطناعي في تجويد الصور بدقة عالية و استخدامه أيضا في عملية البحث و الإعداد التي غالبا ما تكون نتائجه جيدة جدا خاصة النسخ المدفوعة و ليست المجانية، لكن واجهت إشكالية أخلاقية خاصة في الفيلم الوثائقي الذي كنت بصدد أعداده إخراجه حول الشهيد العربي التبسي وقد اصطدمت بصعوبات حول قلة المادة الارشيفية فوجدت صورة للشيخ العربي التبسي في سنة 22 سنة و أنا كنت أحتاج إلى صوره في سنة الطفولة وكانت عندي إمكانية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحويل صورته في سن 22 سنة إلى سن السادسة، لكني تراجعت على استعمالها في الفيلم الذي تبنى كل مواده على الحقيقة فقررت أن أستغني عن الفكرة لكي أحافظ على مصداقية العمل “.

ندرة أفلام الخيال العلمي بالجزائر.. هل ستكون “الآلة” هي الحل ؟

ليست “المادة الفيلمية” الواقعية والتوثيقية فقط من تواجه تحديات الذكاء الاصطناعي حسب المخرجين السينمائيين، بل هناك أيضا أنواع من الأفلام التخيّلية تعيش على محك هذه التقنيات الجديدة، فالجزائر معروفة في المحافل الدولية للفن السابع مثل “الأوسكار”، و مهرجان “كان” السينمائي أو غيرهما، بأنها “موطن” لمختلف الأفلام السينمائية الثورية والروائية الطويلة ذات اللمسة الجزائرية المتميزة، إلا أنها لا تُعرف أبدا بأنها “وجهة” لإنتاج أفلام الخيال العلمي، لذلك ينظر بعض السينمائيين في الجزائر ، بنوع من التفاؤل إلى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي حيث يمكن أن تكون الحل في إنتاج هذا النوع من  “الأفلام”.

يقول الكاتب والسيناريسيت والمنتج الطيب توهامي في هذا الصدد : بأن ” تقنيات الذكاء الاصطناعي والتطور الرهيب الذي نشهدها، سيكون لها اليد الطولى في الصناعة السينمائية مستقبلا في الجزائر، فالحلول التي نراها ونطبقها أشبه بالسحر، يمكن اليوم حتى تغيير الممثلين أثناء مرحلة بعد الإنتاج. مثلا اليوم يمكن للمخرج أن يغير وجه الممثل بتقنيات متطورة للغاية، يمكن أن يضيف لوجه بعض التفاصيل، كما يمكن أن يغير لون شعره وطبيعة الشعر أصلا في هذه المرحلة، ولن يتأثر الفيديو. التصحيحات التقنية اليوم والمعالجات أصبحت تعتمد على برامج الذكاء الاصطناعي، وتقدم نتائج دقيقة ومستواها الفني في غاية الرقي” .

يضيف المتحدث في تصريح لـ”الوطن برس” : أن ” هذه التطبيقات ستجعل من السينما في متناول شباب، بإمكاننا اليوم أن نُنتج أفلاما للخيال العلمي في الجزائر، وبميزانيات محدودة، لأن الحلول توفرها هذه التقنيات الحديثة، بإمكاننا أن نصنع ديكورات مبتكرة ضخمة بإمكانيات مالية محدودة، لأن التكنولوجيا اليوم توفر ذلك. فقط على المخرجين وصناع السينما أن يواكبوا هذه الثورة التكنولوجية التي تتطور بسرعة رهيبة، وعلى المنتجين أن ينتبهوا أنهم بإمكانهم أن يوفروا أموالا، وهو يصنعون ديكورات ضخمة ومبتكرة، فهذه التكنولوجيا لم تعد حكرا على المنتجين الكبار “المايجورز” كما يسمونهم في هوليود، وإنما بإمكان أي منتج أو مخرج أن يصنع عوالمه المتخيلة، من خلال استعمال هذه التطبيقات القوية في حلولها”.

فيلم “الساقية”.. قصة أول أنيمايشن جزائري بالذكاء الاصطناعي 

يعتبر الفيلم الطويل الموسوم بـ”الساقية” فيلم تحريك ثلاثي الابعاد، الأول من نوعه في الجزائر، هذا العمل الذي أنتجته شركة خاصة بتمويل من وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، يروي قصة تاريخية حول أحداث ساقية سيدي يوسف أثناء ثورة التحرير الوطنية، وبهذا تكون الجزائر قد دخلت مرحلة أخرى من إنتاج الأفلام بتقنيات ثلاثية الابعاد والذكاء الاصطناعي لمحتوى جزائري خالص وبتقنيات عالمية.

يروى الطيب تهامي منتج وكاتب سيناريو فيلم الساقية، قصة هذا الانتاج الفريد من نوعه في بلادنا، موضحا في تصريح مطول لـ “الوطن برس” : بأن ” فكرة فيلم الساقية تبلورت في نهاية 2018، وكانت فكرة طموحة تحتمل مغامرة كبيرة، وهي إنجاز فيلم روائي طويل عن مجازر ساقية سيدي يوسف، إبان الثورة التحريرية. مخرج الفيلم كان منذ 2015 يحاول أن يجد تمويلا لمشروعه وهو عبارة عن فيلم قصير بعنوان الساقية، واشتغل على برومو أولي للفيلم، كي يقدمها للمسؤولين عن الشأن الثقافي في تلك الفترة، – يضيف تهامي-  : ” في 2018 شاهدت ذلك البرومو، وقال لي المخرج إنه يريد إنجاز فيلم قصير بعنوان الساقية. كان الفيلم مجرد فكرة بسيطة يحكي قصة طفلين واحد جزائري لاجئء في ساقية سيدي يوسف والثاني طفل تونسي، والعائلة التونسية تقتسم لقمة العيش معهم إلى غاية قصف الساقية”،  وبعدما تناقشت مع المخرج يقول الكاتب والسيناريست : ” أنه بإمكان إنجاز فيلم روائي طويل بهذه التقنية، تقنية التحريك ثلاثي الأبعاد، كان متحمسا جدا للفكرة التي طرحتها عليه رغم صعوبتها، نظرا لندرة المشتغلين على هذا النوع من الأفلام في الجزائر، ونظرا لتعقيدات تقنية مرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة المخصصة لإنجاز هذا النوع من الأعمال، وهنا ” شرعت في كتابة سيناريو فيلم روائي طويل، وقدمناه باسم شركتنا المنتجة لصندوق دعم السينما بوزارة الثقافة”، يضيف المتحدث .

 الجميل في الموضوع -يقول تهامي- ” أن لجنة القراءة وافقت على مشروع دون تغيير أو تعديل فكرة واحدة في السيناريو. من هنا بدأت رحلة البحث عن تمويل كامل للمشروع، لأن دعم صندوق السينما لا يتعدى 33 بالمئة من ميزانية المشروع، وهي في الحقيقة رحلة شاقة جعلتنا نبدأ إنتاج الفيلم ثم نتوقف، خصوصا مع تفاقم الوضع الصحي في البلاد نتيجة انتشار فيروس كورونا، أتذكر أن المنعرج الحاسم في تجسيد فكرة الفيلم هو دخول وزارة المجاهدين وذوي الحقوق على الخط، واهتمامها بهذا النوع من الأفلام السينمائية، حيث أعطى الوزير موافقته لإنتاج فيلم الساقية في إطار تظاهرة ستينية الاستقلال. الأمر الذي زاد من حماسة الفريق من أجل إنهاء الفيلم سنة 2024، ولم يكن هذا بالأمر الهيّن، إذ يصعب الانتهاء من مشاهد الفيلم في ظرف سنة واحدة، رغم الجهد الذي بذلناه منذ 2021 في تشكيل الشخصيات والديكورات والأكسيسوارات المتعلقة بتلك الحقبة”.

يقول الكاتب والسيناريست تهامي : “أن الرهان كان يتعلق بإنتاج الفيلم واستكماله في فترة قصيرة وهي سنة، وهنا علينا كفريق عمل أن نبحث عن بدائل تقنية وتكنولوجية، من أجل الإسراع في الإنجاز، من خلال دعم الفريق الفني والتقني العامل بعناصر جديدة، والبحث عن حلول تقنية تساعد في ربح الوقت في الإنجاز”. ” والحمد لله كان المخرج ومساعدوه متابعون لكل جديد في مجالهم، وبدأت الحلول تتجسد في الميدان، وأعتقد أن برامج الذكاء الاصطناعي بدأت في هذه الفترة تقدم لنا حلولا عملية، خصوصا فيما يتعلق بالتصاميم والتصورات الفنية. حتى في مجال التحريك، هناك بعض التطبيقات الذكية التي ساعدتنا في إنجاز بعض الوضعيات التمثيلية ومحاكاة بعض الحركات البسيطة في ظاهرها لكنها معقدة من ناحية التجسيد”.

فتطبيقات الذكاء الاصطناعي – يوضح الكاتب- “على قلة مردودها في البداية غير أنها أعطتنا دفعا لا يمكن التغاضي عنه من الناحية التقنية، وصار متابعة الجديد كل يوم في مجال الذكاء الاصطناعي في مجال التحريك ثلاثي الأبعاد من صميم اهتماماتنا، وجزء من استراتيجية التنفيذ والإنجاز، تجربة إنتاج هذا النوع من الأفلام في الأصل كانت فريدة في الجزائر، وكان لابد من إتقان الحلول الجريئة التي تقدم بديلا عما هو كلاسيكي، وكل منهجية العمل لدينا والبرمجيات والتطبيقات الذكية التي اشتغلنا عليها كانت تصب في هذه الرؤية”.

وحول مدى إقبال الجمهور خاصة الفئات الصغرى والناشئة، على هذا النوع من الأفلام  وبالتالي القدرة على تسويقها يقول توهامي أن : “هذا النوع من الأفلام في الجزائر بحاجة فقط إلى تسويق جيد وتظهر نتائجه في المستقبل القريب. ستكون هذه الأفلام عنصر جذب للشباب كي يدخلوا قاعات السينما ويتفاعلوا مع مضامين يعشقونها، والتقنيات الحديثة أفضل ضامن لمصالحة هؤلاء الشباب مع الشاشة الكبيرة. في أمريكا وأوربا واليابان والصين يسمون هذا النوع من الأفلام بمغارة علي بابا، نظرا للأرباح الكبيرة التي حققتها، وأصبح الاستثمار في إنتاج “أفلام التحريك” هو سبيل من سبل الثراء، لذلك الاستودياهات الكبيرة دعمت هذا الصنف وطورت الأداء التقني والفني، وكثيرا من الأفلام “الأنيمايشن” اليوم تصنف على أنها تحف فنية وجواهر سينمائية لا يمكن أبدا التقليل أو الحط من مستواها الفني، وأصبحت تنظم لها مهرجانات خاصة بها، ما جعل إقبال فئة الشباب عليها في تزايد متواصل”.

مخرج فيلم ” الساقية ” نوفل كلاش في حوار لـ”الوطن برس”  :

“نحن نعيش مرحلة تجريبية .. والذكاء الاصطناعي سيُحدث ثورة في السينما الجزائرية”

من جهته يقول “نوفل كلاش”مخرج فيلم التحريك ثلاثي الأبعاد، “الساقية”، خلال حوار لـ “الوطن برس” ، أن السينما الجزائرية لاتزال بعيدة عن الإستخدام الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي في عملية الانتاج، فهي حسبه تعيش كبيرا في هذا المجال، رغم ذلك يرى “كلاش” أن هذه التقنيات التكنولوجية الجديدة ستلعب دورا إيجابيا في المستقبل، حيث ستحدث ثورة في الصناعة السينمائية في الجزائر على حد قوله.

في نظركم هل تأخرت الجزائر في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بالمقارنة مثلا مع تجارب عالمية ؟

فعلا نحن متأخرون كثيرا ليس على مستوى قطاع السينما وأنما عبر مختلف القطاعات والمجالات، كّنا من الأوائل الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في الجزائر في مجال السينما سواء تعلق الامر في “الإنماشين”، “تاكسترينغ”.. وغيرهما من البرامج لهذه التقنيات الجديدة، وأتوقع أن تبدأ الأمور في التسارع بصفة مدهشة، لأن أغلب الشباب اليوم مولع بهذه التقنيات على غرار CHTGPT، وهذا الأخير لديه علاقة مع مواقع مهمة في الكتابة السينمائية، حيث يعمل على تحسين النصوص في العديد من المواقع على غرار “رونواي” وغيره .

يضيف محدثنا  : ” إن إستعمال الذكاء الاصطناعي في السينما الجزائرية لازلنا بعيدين بالمقارنة مع التجارب العالمية، لكن هذا لا يعني وجود لفئة بدأت تتكون في إستعمال هذه التقنيات الجديدة وهي عبارة عن مبادرات فردية، لذلك إذا رغبنا أن نقطف الثمار علينا أن يكون هناك مشروع تتكفل به الدولة سواء في مجال السينما أو في مجالات آخرى على حد قوله” .

كيف تم إنتاج فيلم “الساقية” من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي بالمختصر المفيد ؟

فيلم “الساقية” كما هو معروف يروي قصة تاريخية حول أحداث ساقية سيدي يوسف أثناء ثورة التحرير الوطنية، وممثلي هذه التقنية ليسوا متوفرون في الجزائر، ومدام أنهم غير متوفرين فإننا نقوم بتغطية هذا النقص بالتكنولوجيا، حيث أن تقنيات الذكاء الاصطناعي مست جميع مراحل الفيلم على غرار”Story-board ” الذي انطلقنا من خلاله فهو يساعدنا على تحديد مراحل التخطيط لمقاطع الفيديو بشكل سريع وبشكل دقيق، لكن ومع ظهور نظام “Midjourney” حيث يعمل بالذكاء الاصطناعي التوليدي لتحويل النص إلى صورة، و يعتبر من أشهر مولّدات الصور القائمة على التعلم الآلي، حيث سهل علينا هذا النظام العمل وتسريعه وإعطائنا أبعاد أخرى، وفتح أعيننا على مشاهد وزوايا غير متوقعة في الكاميرا و حتى حركات جديدة.

ليس هذا فقط – يقول المخرج- بل استعملنا هذه التقنيات الجديدة للذكاء الاصطناعي حتى في مجال تحريك الرسومات “الإنيمايشن” من خلال استخدامنا لنظام “روكوكو سوت”، وكذلك “مواشن كابتور” وهناك العديد من المواقع ساعدتنا كثيرا في تحسين عملية التحريك الثلاثي الابعاد، وهنا يجب ان نوضح نقطة مهمة أن مهمة المخرج أو المهني في السينما هو من يتحكم في هذه التكنولوجيا، لذلك أرى أنه سيكون هناك تكامل بين تقنيات الذكاء الاصطناعي والمجهود البشري الذي يستغل هذه التقنيات حسب احتياجاته وأهدافه الفنية من الفيلم السينمائي في وقت قصير ونتائج جيدة.

ماهو الفرق الجوهري بين العمل بتقينات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الكلاسيكية في إنتاج الافلام في تجربتكم السينمائية ؟

الفرق شاسع جدا،  من ناحية الوقت، الابداع، جميع العراقيل التي يمكن مواجهتها في الجانب الفني للسينما، يتم حلها بالذكاء الاصطناعي، انطلاقا من الكتابة، فمثلا تملك سيناريو، تنقصه أفكار، حبكة، أحداث، عن طريق  ChatGPT حيث يقدم هذا البرنامج خدمات تساهم في تطوير الفكرة، ويكون المخرج أو الكاتب هو المتحكم في عصى توجيه الفيلم وأحداثه، فالبرنامج هو لا يغير الاحداث أو القصة بل يساعد على كتابتها، فسابقا إذا كنت ستكتب سيناريو يحتاج إلى وقت طويل قد يمتد إلى سنوات خاصة إذا تعلق الأمر بالأفلام الروائية، والتاريخية وغيرها، أما اليوم فالذكاء الاصطناعي منح القدرة على البحث السريع خاصة إذا كان هناك شخصين أو ثلاث يعملون على كتابة سيناريو واحد”.

الأمر حسب ذات المتحدث تجاوز كتابة السيناريو، بل أصبحت “هذه التقنيات تساعدنا على وضع خطة العمل بشكل دقيق، فضلا أن هذه التقنيات قد تفتح عليك أفضل البرامج والتطبيقات التي يتم استعمالها في إنجاز الأفلام السينمائية، حيث يمنح لك القدرة على الاختيار ويعطي لك المزايا الجيدة لكل تطبيق على غرار برنامج (3DSMAXّ)،و(Maya) وغيرهما من البرامج المستخدمة التي ستتناسب مع الفريق الذي يقومون بمساعدة المخرج في إنتاج الفيلم، وهنا أيضا يمكن الاستعانة بهذه التقنيات المتطورة والبرامج بكل حرية من أجل تجسيد الفيلم  مثل برنامج (3D blender)  ،(3D   Unreal) ،(cinema 4d)”.

باعتباركم مخرج محترف، أي تأثير تتوقعونه على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي على السينما الجزائرية مستقبلا ؟

السينما الجزائرية تعيش “مرحلة تجريبية” في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، لكن في المستقبل أعتقد أنها ستعيش ثورة في مجال الانتاج بهذه التقنيات، فهي تسهل عملية صناعة الأفلام، من الفكرة إلى الإنتاج، وهذا وفق برامج جديدة متطورة، رغم هذه الميزات الايجابية إلا أنه سيكون له تأثير عكسي على العديد من الوظائف في السينما التي هي  ليست مناصب إبداعية وإنما هي وظائف ثانوية روتينية يمكن الاستغناء عنها في ظل هذه التكنولوجيات التي ستقدم بدائل ذات جودة عالية جدا، لكن يجب أن نؤكد على شيء واحد وهو أن الانسان هو الذي سيقود هذه التكنولوجيا ولن تلغي وجوده خاصة تلك الوظائف الابداعية في مجال الصناعة السينمائية حسبما يقول المتحدث.

  • روبروتاج : أحمد لعلاوي

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق